على هامش موضوع نشره الأستاذ عزيز عرباوي في الصالون الأدبي/ملتقى الحوار الأدبي / ملتقى الأدباء و المبدعين العرب أثار الشاعر و الناقد يوسف الديك مسألة أساسية طالما اثيرت منذ الخمسينيات و الستينيات ، وتحتاج إلى نقاش هادئ .
يرى الأستاذ يوسف الديك أن محمدا الماغوط قلم سياسي ساخر ....، وليس شاعر قصيدة نثر وبالأحرى أن يكون رائدها . وفي مقابل هذا الرأي آراء رفعت الرجل إلى مصاف الشعراء العالميين أمثال بودلير ورامبو ومن يكتب على منوالهما .فأي الرأيين أقرب إلى الحقيقة ؟، وماذا بوسع الطلبة والنقاد الناشئين أن يتبعوا وهم بين رأيين متعارضين بل ومتناقضين ؟
يرى الأستاذ يوسف الديك ألا تناقض في الموضوع :
"
(ولو نشرت هذه النصوص في مكان يشرف عليه وكان مسؤولاً عنهل لحولها دون تردّد إلى ملتقى المحاولات الأدبية ..والناشئين.
ويُرجع اهتمام النقد بهذا الشعر إلى اسم الماغوط الذي اكتسب شهرة كبيرة في الخمسينيات مع مجلة شعر ، ولو أرسل نصوصه غير مقترنة باسمه لرفضت .)
وعلى الرغم من وجاهة هذا التبرير وصدقه على نشر نصوص أغلب الشعراء الكبار ، بما فيها النصوص الركيكة ، فإن الأمر يتطلب نقاشا علميا أكاديميا هادئا بعيدا عن الأسماء و ترتيب الشعراء إلى كبار وصغار .
إن تصنيف شاعر في مصاف كبار الشعراء لا يعني بالضرورة أن ما يكتبه دائما يكون جيدا ، فقد يكتب نصا شعريا ممتازا ويكتب في الآن نفسه نصا ركيكا فيحظى بالمكانة نفسها التي تحظى بها النصوص الجيدة ، لأنه لا يخضع للتقويم الذي تخضع له نصوص الشعراء الناشئين .
قديما ، كان عمود الشعر العربي هو المرجع النظري الذي يحتكم إليه للحكم على جودة النصوص فلا يُختلف كثيرا في الحكم على هذا النص أو ذاك .
أما في شعرنا الحديث ، فلم يعد هناك مرجعا نظريا واحدا بل مرجعيات ، وقد تصل التقاطعات بين هذه المرجعيات إلى مستوى الصفر، فما يعتبر شعرا عند هذه المرجعية النظرية يعد إسفافا و ركاكة عند مرجعية أخرى أو العكس . وقد سبق للمرحوم محي الدين صبحي الشاعر القومي العروبي المنظر للعديد من المنابر القومية اللبرالية أن أعلن أن مجلة شعر اللبنانية ـ التي تعد في نظر الكثير من النقاد المنبر الذي أعلى من شأن الشعر الحديث و من شأن قصيدة النثر ، والذي يعد الماغوط أحد شعرائه ـ لم تضف شيئا إلى الشعر العربي إن لم تعد به إلى الوراء ، و أعلن أدونيس أحد شعراء شعر ومنظريها أن أغلبية الشعر القومي شعر مناسبة . و الشعر الحق ضد المناسبة لذا ، فلا علاقة له بالحداثة.
يرى الأستاذ يوسف الديك أن محمدا الماغوط قلم سياسي ساخر ....، وليس شاعر قصيدة نثر وبالأحرى أن يكون رائدها . وفي مقابل هذا الرأي آراء رفعت الرجل إلى مصاف الشعراء العالميين أمثال بودلير ورامبو ومن يكتب على منوالهما .فأي الرأيين أقرب إلى الحقيقة ؟، وماذا بوسع الطلبة والنقاد الناشئين أن يتبعوا وهم بين رأيين متعارضين بل ومتناقضين ؟
يرى الأستاذ يوسف الديك ألا تناقض في الموضوع :
"
(ولو نشرت هذه النصوص في مكان يشرف عليه وكان مسؤولاً عنهل لحولها دون تردّد إلى ملتقى المحاولات الأدبية ..والناشئين.
ويُرجع اهتمام النقد بهذا الشعر إلى اسم الماغوط الذي اكتسب شهرة كبيرة في الخمسينيات مع مجلة شعر ، ولو أرسل نصوصه غير مقترنة باسمه لرفضت .)
وعلى الرغم من وجاهة هذا التبرير وصدقه على نشر نصوص أغلب الشعراء الكبار ، بما فيها النصوص الركيكة ، فإن الأمر يتطلب نقاشا علميا أكاديميا هادئا بعيدا عن الأسماء و ترتيب الشعراء إلى كبار وصغار .
إن تصنيف شاعر في مصاف كبار الشعراء لا يعني بالضرورة أن ما يكتبه دائما يكون جيدا ، فقد يكتب نصا شعريا ممتازا ويكتب في الآن نفسه نصا ركيكا فيحظى بالمكانة نفسها التي تحظى بها النصوص الجيدة ، لأنه لا يخضع للتقويم الذي تخضع له نصوص الشعراء الناشئين .
قديما ، كان عمود الشعر العربي هو المرجع النظري الذي يحتكم إليه للحكم على جودة النصوص فلا يُختلف كثيرا في الحكم على هذا النص أو ذاك .
أما في شعرنا الحديث ، فلم يعد هناك مرجعا نظريا واحدا بل مرجعيات ، وقد تصل التقاطعات بين هذه المرجعيات إلى مستوى الصفر، فما يعتبر شعرا عند هذه المرجعية النظرية يعد إسفافا و ركاكة عند مرجعية أخرى أو العكس . وقد سبق للمرحوم محي الدين صبحي الشاعر القومي العروبي المنظر للعديد من المنابر القومية اللبرالية أن أعلن أن مجلة شعر اللبنانية ـ التي تعد في نظر الكثير من النقاد المنبر الذي أعلى من شأن الشعر الحديث و من شأن قصيدة النثر ، والذي يعد الماغوط أحد شعرائه ـ لم تضف شيئا إلى الشعر العربي إن لم تعد به إلى الوراء ، و أعلن أدونيس أحد شعراء شعر ومنظريها أن أغلبية الشعر القومي شعر مناسبة . و الشعر الحق ضد المناسبة لذا ، فلا علاقة له بالحداثة.
هذا الخلاف مرده إلى المرجعية النظرية التي يرجع إليها كل من المنبرين، فكل منبر ينطلق في تصوره للإبداع من قوانين نظرية مجردة تؤطر الآفاق التي يجب أن يقتحمها الإبداع، وتضبط حركية وآلية تكون ماهيته، وتحديد طبيعته ووظيفته. إنه يؤسس ويشرع منطلقا في ذلك من خلفيات معرفية أيديولوجية كانت أم فلسفية تقبل ما يندرج ضمن نسقها العام، وترفض كل ما يحيد عنه أو يتعارض معه.
ونميز في التنظير بين نوعين: التنظير الذي يصدر عن شعراء لهم تجربتهم في مجال الإبداع، والتنظير الذي يصدر عن الفلاسفة والنقاد الذين لا صلة لهم مباشرة بالإبداع.
في ما يخص النوع الأول ، يرى ت . س . إليوت أن الشاعر إنما " يدافع عن ذلك الشعر الذي يكتبه هو". فمعظم آرائه تعبير عن جدله مع نفسه حول ما سيعمله في المرحلة القادمة، وما سيتخلى عنه. فما الشاعر إلا " ناقد يهتم بكاتب واحد، ولا تعنيه إلا الأعمال التي لم تكتب بعد، بل يكاد المرء في بعض لحظات الخبث أن يستجيب لإغراء التفكير في أن كل ما يقوله الشاعر هو: اقرؤوني لاتقرأوا سواي". من هنا ، فإن تنظيرات الشعراء تتمحور حول ذواتهم الإبداعية المتحققة والممكنة، ولا يفتحون آفاقهم التنظيرية أمام الاختلاف والتعدد.
أما النوع الثاني، فخطورته تكمن في انطلاقه من خلفيات معرفية تتوخى بناء الأنساق الكبرى لتفسير الظواهر الكونية، بما فيها الظواهر المعرفية. هذه الخلفيات تنطلق من مقولات تعتبرها مسلمات لتعميمها على كل الظواهر. وبناء الأنساق يحتم بالضرورة القفز على كل ما يتعارض وهذه الأنساق، الشيء الذي ينتج عنه خضوع الإبداع للتنظير وليس العكس.
نخلص من كل ماسبق إلى أن الماغوط و الذين أعجبوا بالماغوط ـ دون أن يفهم من كلامنا أن كل ما يكتبه الماغوط يرقى إلى مستوى الشعر الجيد أو العكس ــ لهم مرجعيات نظرية مخالفة كليا للمرجعية التي ينطلق منها الشاعر و الناقد يوسف الديك. فالشعر عند الماغوط يكتسب شعريته من التمرد والرفض وهدم الجاهز والمفارقة والمس بالمقدسات الاجتماعية و الدينية أحيانا ، والتشبيه البسيط الغريب غير المنتظر . ويكون أسلوبه غالبا بسيطا وعاديا وقد تتخلله عبارات ركيكة. في حين أن شعر أدونيس شعر تجريب وغرابة و غموض ( ماسي) على حد تعبيره . والذي يجد ذاته في شعر أدونيس وما يشبهه الذي ينطلق من مرجعيات نظرية فرنسية مغرقة في التجريب لن يستسيغ شعر الماغوط في بساطته وجرأته الكبيرة . والعكس صحيح ، فما اختلف اثنان على شعر مثلما اختلفا على شعر أدونيس ،فهو الشاعر الذي يقتدى به عند الحداثيين التجريبيين وهو الشاعر الغامض الذي لا يجب الاهتمام به عند الشعراء القوميين الذين ينحون نحو الوضوح و البساطة، وهو الشاعر الذي يجب أن يحارب وبل ويحاكم عند الإسلاميين .
بعد هذه الفذلكة الكلامية ، كيف نقوّم شعر شاعر ، هل نقومه انطلاقا من ذواتنا و أذواقنا ومرجعياتنا ، فنحكم بعالميته إذا وافق أذواقنا وتصورنا ، ونحكم بلا شاعريته إذا خالف تصورنا ، أم نحكم عليه انطلاقا من خلفياته النظرية ومرجعياته و تصوره للشعر، فنبحث في العلاقة بين مرجعياته النظرية وإبداعاته النصية ؟ أم نحكم عليه بمدى حفاظه على الذوق العربي القديم بكل ما يعنيه من سلامة اللغة وجزالة الألفاظ و تضمنه لرسالة يوصلها إلى القارئ و عذوبة الإيقاع وبيانية الصورة …أم نحكم عليه بمدى تجاوزه وتخطيه لهذا الذوق العربي ؟ أم نحكم عليه بمدى قدرته عن التعبير عن تجربة ذاتية فردانية ؟
أسئلة مشروعة تَفرَّع النقد ، فاختلفت الآراء حول النصوص. ولم يكن هناك إجماع حول نص حديث ،وما ينبغي له أن يكون ما دامت الخلفيات النظرية متعارضة ومتناقضة .ويكفي أن نشير هنا إلى أن النصوص التي اعتبرها المرحومان محمود أمين العالم وعبد العظيم أنيس قمة الإبداع في كتابهما في الثقافة المصرية لا يلتفت إليهما اليوم ولا تقرأ حتى ضمن النصوص الشعرية .في حين هناك نصوص سفها بها واعتبراها نصوصا بورجوازية ، رؤيتها إلى المستقبل قاصرة ،وتحتل اليوم مكانة متميزة ضمن تاريخ الأدب الحديث .
نقطة أخرى
أشار الفاضل الأستاذ محمد ثلجي إلى مسألة أساسية على هامش مقال الأستاذ عرباوي يقول :
ونميز في التنظير بين نوعين: التنظير الذي يصدر عن شعراء لهم تجربتهم في مجال الإبداع، والتنظير الذي يصدر عن الفلاسفة والنقاد الذين لا صلة لهم مباشرة بالإبداع.
في ما يخص النوع الأول ، يرى ت . س . إليوت أن الشاعر إنما " يدافع عن ذلك الشعر الذي يكتبه هو". فمعظم آرائه تعبير عن جدله مع نفسه حول ما سيعمله في المرحلة القادمة، وما سيتخلى عنه. فما الشاعر إلا " ناقد يهتم بكاتب واحد، ولا تعنيه إلا الأعمال التي لم تكتب بعد، بل يكاد المرء في بعض لحظات الخبث أن يستجيب لإغراء التفكير في أن كل ما يقوله الشاعر هو: اقرؤوني لاتقرأوا سواي". من هنا ، فإن تنظيرات الشعراء تتمحور حول ذواتهم الإبداعية المتحققة والممكنة، ولا يفتحون آفاقهم التنظيرية أمام الاختلاف والتعدد.
أما النوع الثاني، فخطورته تكمن في انطلاقه من خلفيات معرفية تتوخى بناء الأنساق الكبرى لتفسير الظواهر الكونية، بما فيها الظواهر المعرفية. هذه الخلفيات تنطلق من مقولات تعتبرها مسلمات لتعميمها على كل الظواهر. وبناء الأنساق يحتم بالضرورة القفز على كل ما يتعارض وهذه الأنساق، الشيء الذي ينتج عنه خضوع الإبداع للتنظير وليس العكس.
نخلص من كل ماسبق إلى أن الماغوط و الذين أعجبوا بالماغوط ـ دون أن يفهم من كلامنا أن كل ما يكتبه الماغوط يرقى إلى مستوى الشعر الجيد أو العكس ــ لهم مرجعيات نظرية مخالفة كليا للمرجعية التي ينطلق منها الشاعر و الناقد يوسف الديك. فالشعر عند الماغوط يكتسب شعريته من التمرد والرفض وهدم الجاهز والمفارقة والمس بالمقدسات الاجتماعية و الدينية أحيانا ، والتشبيه البسيط الغريب غير المنتظر . ويكون أسلوبه غالبا بسيطا وعاديا وقد تتخلله عبارات ركيكة. في حين أن شعر أدونيس شعر تجريب وغرابة و غموض ( ماسي) على حد تعبيره . والذي يجد ذاته في شعر أدونيس وما يشبهه الذي ينطلق من مرجعيات نظرية فرنسية مغرقة في التجريب لن يستسيغ شعر الماغوط في بساطته وجرأته الكبيرة . والعكس صحيح ، فما اختلف اثنان على شعر مثلما اختلفا على شعر أدونيس ،فهو الشاعر الذي يقتدى به عند الحداثيين التجريبيين وهو الشاعر الغامض الذي لا يجب الاهتمام به عند الشعراء القوميين الذين ينحون نحو الوضوح و البساطة، وهو الشاعر الذي يجب أن يحارب وبل ويحاكم عند الإسلاميين .
بعد هذه الفذلكة الكلامية ، كيف نقوّم شعر شاعر ، هل نقومه انطلاقا من ذواتنا و أذواقنا ومرجعياتنا ، فنحكم بعالميته إذا وافق أذواقنا وتصورنا ، ونحكم بلا شاعريته إذا خالف تصورنا ، أم نحكم عليه انطلاقا من خلفياته النظرية ومرجعياته و تصوره للشعر، فنبحث في العلاقة بين مرجعياته النظرية وإبداعاته النصية ؟ أم نحكم عليه بمدى حفاظه على الذوق العربي القديم بكل ما يعنيه من سلامة اللغة وجزالة الألفاظ و تضمنه لرسالة يوصلها إلى القارئ و عذوبة الإيقاع وبيانية الصورة …أم نحكم عليه بمدى تجاوزه وتخطيه لهذا الذوق العربي ؟ أم نحكم عليه بمدى قدرته عن التعبير عن تجربة ذاتية فردانية ؟
أسئلة مشروعة تَفرَّع النقد ، فاختلفت الآراء حول النصوص. ولم يكن هناك إجماع حول نص حديث ،وما ينبغي له أن يكون ما دامت الخلفيات النظرية متعارضة ومتناقضة .ويكفي أن نشير هنا إلى أن النصوص التي اعتبرها المرحومان محمود أمين العالم وعبد العظيم أنيس قمة الإبداع في كتابهما في الثقافة المصرية لا يلتفت إليهما اليوم ولا تقرأ حتى ضمن النصوص الشعرية .في حين هناك نصوص سفها بها واعتبراها نصوصا بورجوازية ، رؤيتها إلى المستقبل قاصرة ،وتحتل اليوم مكانة متميزة ضمن تاريخ الأدب الحديث .
نقطة أخرى
أشار الفاضل الأستاذ محمد ثلجي إلى مسألة أساسية على هامش مقال الأستاذ عرباوي يقول :
كغيري من شعراء الشعر العمودي وشعر التفعيلة أكتب قصيدة النثر. وكثيرا ما أهرب إليها طلباًللراحة والاستجمام .. دون ذلك ، صدقني ما يمكنني أن أوظفه فيها بالإمكان توظيفه في قصيدة الشعر العمودي وشعر التفعيلة .. لم ألحظ ما يجعلها تتميز عن أختيها من جهة إيجابية، على العكس فجلها سلبية .. وأستحضر مقولة لأدونيس نفسه يقول : المشكلة أن الشعراء الذين يكتبون النثر يعتقدون أنها هروب من الوزن والقافية، ولكن هي في حقيقتها تمرد على اللغة وعلى الذات وعلى المحيط السياسي والاجتماعي والديني..
هنا أقول ما المانع في أن يكون هذا التمرد المشار له في داخل قصيدة العمودي والتفعيلة ما دمنا متفقين على أنه ليس تمرداً من جهة الوزن والقافية!!
أتمنى الإجابة عن هذا السؤال فهو من الأهمية الكبيرة لو أردنا التحقق فعلياً من كون هذا النوع من الشعر يستحق المحاولة والجهد.
هذا القول يستدعي أيضا وقفة متأنية للتوسع فيه :
أولا : قصيدة النثر: شكل من الأشكال الشعرية وليس بديلا للأشكال السابقة ، كما لا تعد كتابةهذا الشكل الشعري عجزا عن كتابة القصيدة العمودية وقصيدة التفعيلة ، فأغلب الذين يكتبون هذا الشكل كتبوا وما زالوا يكتبون قصيدة التفعيلة والقصيدة العمودية . فالمسألة ليست مسألة شكل وإنما مسألة إبداع وقدرة على التعبير عن تجربة يعيشها الشاعر بقلبه وعقله معا ، و الارتقاء بها إلى مستوى التجربة الإنسانية. و أي شكل من الأشكال أسعف الشاعر في التعبير عن تجربته ، فهو الشكل الملائم .
هذه قصيدة عمودية لا أعرف صاحبها أعجبت بها كثيرا يغنيها الفنان مارسيل خليفة أعتبرها من أبدع النصوص و أجملها على الرغم من شكلها العمودي :
كأنــــما جبـــــل البـــاروك أذهلـــــه
أن تنحني فمشى في يومك الشجر
و الأرز أفلت من حراسه ومشــــــى
وفي ثناياه من جرح الردى كــــــدر
أظنها طلقات الغدر حين هــــــــوت
تكاد لو أبصرت عينيك تعتـــــــــــذر
كأنما أمة في كفك اجتمعــــــــــت
وأنت وحدك في صحرائها المطـــر
على المناديل من أوجاعه عبـــــق
و في المواويل من أحلامه أثــــــــر
طال ارتحالك ما عودتنا سفــــــــرا
أبا المساكين فارجع نحن ننتظـــر
أن تنحني فمشى في يومك الشجر
و الأرز أفلت من حراسه ومشــــــى
وفي ثناياه من جرح الردى كــــــدر
أظنها طلقات الغدر حين هــــــــوت
تكاد لو أبصرت عينيك تعتـــــــــــذر
كأنما أمة في كفك اجتمعــــــــــت
وأنت وحدك في صحرائها المطـــر
على المناديل من أوجاعه عبـــــق
و في المواويل من أحلامه أثــــــــر
طال ارتحالك ما عودتنا سفــــــــرا
أبا المساكين فارجع نحن ننتظـــر
إن ما يقصده أدونيس بقوله ، هو أن تحطيم الوزن والقافية وحدهما و الحفاظ على باقي الخصائص التقليدية للقصيدة العربية لا يجعلان من النص المكتوب قصيدة النثر ، لأن الوزن والقافية مكونان شكليان أساسا ، و قصيدة النثر شكل حداثي يستكشف اللغة الشعرية ويستقصيها ، ويصدر عن رؤيا فريدة للإنسان والكون ، و الصدور عن هذه الرؤيا يقتضي التمرد ضد اللغة والقيم و الأفكار و الدين والأشكال الشعرية الجاهزة ، وبعبارة أوجز،إن إبداع قصيدة النثر يقتضي تخطي الثقافة التقليدية التي تؤمن بأسبقية الماهية على الوجود و تجاوزها إلى الثقافة الحداثية التي تؤمن بأسبقية الوجود على الماهية . وفي هذه الحالة لا بد للقصيدة الحداثية لكي تكون حداثيةشكلا ورؤيا أن تتمرد أيضا على الوزن والقافية والتفعيلة ما دامت قيودا خارجية سابقة الوجود على وجود القصيدة .
تعليق الشاعر والناقد يوسف الديك
الأخ الأستاذ علي المتقي ..الموقر
اسمح لي أن أنحني احتراماً أمام موضوعية نفتقر إليها جميعاً في محاكاتنا لما نؤمن به وما يطرح في السوق تحت صنوف الأدب المختلفة ...وهي – الموضوعية وبعد النظر – التي تنسّمتها بين سطور مادتك المتوازنة ، فشكراً جزيلاً .
أستاذي الكريم ..الماغوط مبدع ..بكلّ ما كتب ..باستثناء الشعر..وسأدافع ما حييت عن هذا الرأي ليس من منطلق كوني شاعراً كلاسياً أو تفعيلياً فأنا مع الحداثة والحداثوية وما بعدهما إن وجد ..لكن مرتكزاتي في هذا الرأي تتمثل بعنصر الدهشة الغائب عن نصوص الماغوط الشعرية ..والذي يجب أن تتسم به قصيدة النثر قبل سواها ..فإذا كانت معايير الشعر كما تفضلتم هي الوزن والقافية والموسيقى والتفعيلة وسواها ..فإن معيار قصيدة النثر الوحيد ..هو الدهشة ..أو " الصدمة الإيجابية المبهرة " .
لقد تجاوزنا مرحلة التلقّي السلبي ..والرأي الناجز في الأدب ..نحو ما هو أبعد ،في العمق ، وبين النصوص ، مع إسقاط أسماء أصحابها المكرّسة منذ عشرات السنين في الصحافة المنافقة والإعلام العربي الرديء ، ليس نكراناً لدورهم وريادتهم المزعومة ولكن تفعيلاً لدور العقل الناقد بموضوعية وإنصاف دون شطط أو مغالاة سواء بالمدح أو القدح .
الماغوط أبدع في المسرح والفكر السياسي ..ولم يقدّم للشعر أية نصوص ترتقي بالذائقة الجمالية للقصيدة العربية ..باستطاعتنا تناول نصوصه الشعرية كبيانات سياسية ومانشيتات تعكس مواقف فكرية ..لكن أن نقول ..رائد القصيدة ..ومخترع الحرف ..ومبدع العصر ..فهذه هي المغالاة بعينها .ما أوردته في معرض ردّي على الأستاذ عزيز عرباوي ليس رأياً أحادي الرؤيا ..وليس بسبب كون نصوص الماغوط متمرّدة على الشكل والوزن والقافية ..فالتمرد في بعض سماته نتاج مذهل وقيمة مضافة للأدب ..لكنّه عند الراحل الماغوط تحول إلى هدف بحد ذاته دون أن يحمل أية قيمة جمالية اللهم إلاّ في الجانب الأيديولوجي ..وهذا لا يعني الأدب كثيراً كحالة إبداع ...لأن الأصل حتى في النصوص ذات البعد الأيديولوجي هو الحفاظ على جمال اللغة وأعيد ..الدهشة .
معضلتنا هنا تتمثل في الآراء الحدّية من جانب ..وفي المبالغات غير المسوّغة من جانب آخر ..تقرأ شهادات عظيمة باستشهادات لنصوص قاصرة عن إثبات ربعها ...ومن وجهة نظري أن أزمة المبالغين في هذا الجانب تتمثّل في عجزهم عن الإتيان بما يثبت وجهات نظرهم وهو ما يفترض به أن يكون أجمل ما لديهم من نصوص الشاعر ...فما بالك بالأقل مستوىً بين نصوصه ..!!؟
اسمح لي أن أنحني احتراماً أمام موضوعية نفتقر إليها جميعاً في محاكاتنا لما نؤمن به وما يطرح في السوق تحت صنوف الأدب المختلفة ...وهي – الموضوعية وبعد النظر – التي تنسّمتها بين سطور مادتك المتوازنة ، فشكراً جزيلاً .
أستاذي الكريم ..الماغوط مبدع ..بكلّ ما كتب ..باستثناء الشعر..وسأدافع ما حييت عن هذا الرأي ليس من منطلق كوني شاعراً كلاسياً أو تفعيلياً فأنا مع الحداثة والحداثوية وما بعدهما إن وجد ..لكن مرتكزاتي في هذا الرأي تتمثل بعنصر الدهشة الغائب عن نصوص الماغوط الشعرية ..والذي يجب أن تتسم به قصيدة النثر قبل سواها ..فإذا كانت معايير الشعر كما تفضلتم هي الوزن والقافية والموسيقى والتفعيلة وسواها ..فإن معيار قصيدة النثر الوحيد ..هو الدهشة ..أو " الصدمة الإيجابية المبهرة " .
لقد تجاوزنا مرحلة التلقّي السلبي ..والرأي الناجز في الأدب ..نحو ما هو أبعد ،في العمق ، وبين النصوص ، مع إسقاط أسماء أصحابها المكرّسة منذ عشرات السنين في الصحافة المنافقة والإعلام العربي الرديء ، ليس نكراناً لدورهم وريادتهم المزعومة ولكن تفعيلاً لدور العقل الناقد بموضوعية وإنصاف دون شطط أو مغالاة سواء بالمدح أو القدح .
الماغوط أبدع في المسرح والفكر السياسي ..ولم يقدّم للشعر أية نصوص ترتقي بالذائقة الجمالية للقصيدة العربية ..باستطاعتنا تناول نصوصه الشعرية كبيانات سياسية ومانشيتات تعكس مواقف فكرية ..لكن أن نقول ..رائد القصيدة ..ومخترع الحرف ..ومبدع العصر ..فهذه هي المغالاة بعينها .ما أوردته في معرض ردّي على الأستاذ عزيز عرباوي ليس رأياً أحادي الرؤيا ..وليس بسبب كون نصوص الماغوط متمرّدة على الشكل والوزن والقافية ..فالتمرد في بعض سماته نتاج مذهل وقيمة مضافة للأدب ..لكنّه عند الراحل الماغوط تحول إلى هدف بحد ذاته دون أن يحمل أية قيمة جمالية اللهم إلاّ في الجانب الأيديولوجي ..وهذا لا يعني الأدب كثيراً كحالة إبداع ...لأن الأصل حتى في النصوص ذات البعد الأيديولوجي هو الحفاظ على جمال اللغة وأعيد ..الدهشة .
معضلتنا هنا تتمثل في الآراء الحدّية من جانب ..وفي المبالغات غير المسوّغة من جانب آخر ..تقرأ شهادات عظيمة باستشهادات لنصوص قاصرة عن إثبات ربعها ...ومن وجهة نظري أن أزمة المبالغين في هذا الجانب تتمثّل في عجزهم عن الإتيان بما يثبت وجهات نظرهم وهو ما يفترض به أن يكون أجمل ما لديهم من نصوص الشاعر ...فما بالك بالأقل مستوىً بين نصوصه ..!!؟
يقول ..محمد الماغوط ..في قصيدته مقدمة ابن خلدون
بشراسة ونهم الفهد الجائع
أضع راحتي حول فمي وأصرخ:
يا إلهي.
أنقذني من هذه الصحراء
إنها تفقدني عقلي وصوابي وتوازني
وأنقضّ على كل ما فيها منشعر ونثر
ومسرح وغناء وعواء
وسجع وتجويد وتفخيم وإطناب وهذيان
بوح، عناق، دموع، تأوهات، انتحارات
نهب، قصور، متاحف، مقابر،مستشفيات
بحر، صحراء، نسور، ضفادع، ديناصورات
قطط، فئران، جمال، سفن ، قطعان
كرّ وفرّ وسبي نساء وغلمان وطيور وفراشات
انفتاح، تهافت،إطلاق
قانا، شاتيلا، تل الزعتر، كازينو لبنان
جوائز، إهانات، ابن النفيس، ابن خلدون، ابن رشد، ابن سينا، بن لادن
أبو فداء، أبو شيماء، أبوتيماء، أبو رياح، أبو صياح
عنتر، عبلة، عبدو موسى، ملحم بركات
حقد،كراهية، أنياب، صرير أبواب، مخيمات
فجر، نجوم، ظلام
وكل كلمة كأس ولفافة
*************
*************
ليحاول أحدكم أن يسقط اسم الكاتب ..ثم يأت على قراءتها حسب الشكل أدناه ..
( إعادة توزيع للسطور )
مقدمة ابن خلدون
بشراسة ونهم الفهدالجائع ،أضع راحتي حول فمي وأصرخ:
يا إلهي.
أنقذني من هذه الصحراء ،إنها تفقدني عقلي وصوابي وتوازني،وأنقضّ على كل ما فيها من شعر ونثر ، ومسرح وغناء وعواء، وسجع وتجويد وتفخيم وإطنابوهذيان.
بوح، عناق، دموع، تأوهات، انتحارات ،نهب، قصور، متاحف، مقابر،مستشفيات ، بحر، صحراء، نسور، ضفادع، ديناصوراتقطط، فئران، جمال، سفن، قطعان ، كرّ وفرّ وسبي نساء وغلمان وطيور وفراشات، انفتاح، تهافت،إطلاق، قانا، شاتيلا، تل الزعتر، كازينو لبنان، جوائز، إهانات، ابنالنفيس، ابن خلدون، ابن رشد، ابن سينا، بن لادن، أبو فداء، أبو شيماء، أبوتيماء، أبو رياح، أبو صياحعنتر، عبلة، عبدو موسى، ملحم بركات حقد، كراهية، أنياب، صرير أبواب، مخيمات،فجر، نجوم، ظلام، وكل كلمة ، كأس ولفافة.
--------
بالله عليكم ..هل هذا شعر أم هي قائمة بأسماء الأعضاء المتواجدين حالياً في منتدى .. يزخر بالمعرفات المستعارة والرمزية .
أخي الأستاذ علي المتقي ..محبتي مجدّداً ودمت بألف خير
تعليق الشاعر والناقد محمد ثلجي
رد علي المتقي على يوسف الديك
رد علي المتقي على محمد ثلجي
الأستاذ الفاضل محمد ثلجي : أشكركم جزيل الشكر على سرعة ردكم ، وملاحظاتكم القيمة التي وردت مرتبة ومنظمة في تدخلكم . اسمحوا لي أن أبدي رأيي فيها واحدة واحدة :
قصيده النثر في أعلى تجلياتها عند بودلير ورانبو ولافورج لا تقل امتلاء بالصور ولا تفجرا بالإيقاع الداخلي المتولد عن حركه الفكر, والتوفيق بين النقائض وصراعها, والمراوحه بين أطوال السطور, والتكرار, والوقفات وكسر التوقعات السمعيه , والمراوحه بين الخبر والإنشاء, عن الشعر الذي يراعي الوزن والقافيه. ولكن أين نجد مثل هذه الفضائل التعويضية في تلك الإفرازات المريضة والتشكيلات الهلامية التي يخرجها شعراء قصيده النثر وشواعره عندنا؟" انتهى.
أوافق عبد المعطي حجازي على ما ذهب إليه ، فقصيدة النثر لم تكن في مرجعياتها النظرية الغربية ولا في نصوصها الإبداعية هدما لكل مكونات القصيدة العمودية وقصيدة التفعيلة ، و إنما تجاوزت الهدم إلى البناء واقترحت بدائل لكل ما تم تجاوزه ، وهو ما أسماه الشاعر عبد المعطي حجازي
بامتلاء بالصور و تفجر الإيقاع الداخلي المتولد عن حركه الفكر, والتوفيق بين النقائض وصراعها, والمراوحه بين أطوال السطور, والتكرار, والوقفات وكسر التوقعات السمعيه , والمراوحه بين الخبر والإنشاء,
وفير هذه المكونات .
ولو رجعنا إلى الدراسات النظرية التي نظرت لهذا الشكل الشعري في ثقافتنا العربية لوجدنا أنها كلها تدعو إلى أن الإبداع ليس في التجاوز فحسب، وإنما في ما يقترح من بدائل لا تقبل التكرار ، أشار أدونيس وأنسي الحاج إلى الكثير منها.
وعلى الرغم من أن عبد المعطي حجازي لم يكن في يوم ما من كتاب قصيدة النثر ، لا ولا من مناصريها ومشجعيها ، وقد يتضمن حكمه الأخير:
ولكن أين نجد مثل هذه الفضائل التعويضية في تلك الإفرازات المريضة والتشكيلات الهلامية التي يخرجها شعراء قصيده النثر وشواعره عندنا؟
الكثير من التجني والتحامل على قصيدة النثر ، فإن هذا الحكم يتضمن نصيبا كبيرا من الصحة وكثيرا من المصداقية . ولكن في الآن نفسه ، لا يمكن أن ننفي عن كل ما كتب من قصائد نثرية في الشعر العربي صفة الشعرية ونصفه بالإفرازات المريضة والتشكيلات الهلامية ، فوسط ألف نص بائر لا يكاد يجد له قارئا قد نجد نصا شعريا جميلا يستحق القراءة .
فقصيدة النثر ليست بالشكل الشعري السهل الذي يمكن أن يبدع فيه كل الناس ، وإنما يكتب فيه من وهبه الله موهبة إبداعية غنية قادرة على إبداع بدائل تشد إليها القارئ وتحقق لديه المتعة التي كانت تحققها في القصيدة العمودية و قصيدة التفعيلة مكونات تم تخطيها وتجاوزها ،كما تكون قادرة على تجاوز نفسها باستمرار لأن قصيدة النثر شكل لا يقبل التكرار أبدا . وهو أمر من الصعب الاستمرار فيه إلى ما لا نهاية . إلا أن هذا لا يمنع الاستمرار في التجريب ، إذ بالتجريب و التراكم قد نصل إلى كتابة قصيدة نثر نوعية تتخطى كل تعثرات العقود السابقة .
2 ـ ثانيا : فيما يخص الشروط التاريخية و الذاتية التي أفرزت قصيدة النثر في الغرب ، ومثيلاتها في المشرق العربي ، أتفق معكم على أن هذا الشكل الشعري في الغرب كان وليدا شرعيا لشروط تاريخية ساهمت في انتشاره ونجاحه هناك . أما في عالمنا العربي ، فقد تم استيراده كما تم استيراد التكنولوجيا الحديثة دون أن تتوفر كل الشروط الموضوعية للإبداع فيه و انتشاره بين القراء . فقد سعت الحداثة العربية ممثلة في مجلة شعر اللبنانية إلى بناء نموذج حداثي عربي على شاكلة النموذج الغربي، وجعلت من قصيدة النثر الشكل الشعري الملائم للتعبير عن نموذجها ، فلم يتحقق لها نفس النجاح الذي تحقق لمثيلتها الغربية، ذلك أن هذه الأخيرة نشأت وتطورت في المدن الصناعية الكبرى كبرلين وفيينا وبراغ وشيكاغو ونيويورك وباريس، فتوفرت لها شروط تاريخية سياسية واقتصادية واجتماعية تدمر فيها الناس من العلم ونتائجه وعواقبه، وشككوا في قدرته على إسعادهم، وعلى قدرته في الوصول إلى الحقيقة؛ ففضلوا التجربة الفردية وما يترتب عنها من معارف تعددية غامضة على العقل المنظم. أما الحداثة العربية، فقد وجدت نفسها مقيدة بواقع مخالف للواقع الغربي، تحكمه شروط تاريخية فكرية واجتماعية وسياسية لا علاقة لها بالمعضلات الكيانية التي أفرزتها الثقافة الغربية.( القلق - اليأس ، الانسحاق ، الغربة ، النفي الكياني ...) فقد كانت المرحلة مرحلة تناقض وطني وقومي مع الآخر الذي هو مصدر هذه الحداثة، وهي مرحلة تستلزم توحيد الرأي، والقفز عن التناقضات الداخلية، والتضحية بالذات وبمصالحها الشخصية لصالح المصالح الوطنية والقومية. أما المجتمع، فأبعد ما يكون عن هيمنة الروح الفردية، إذ تحكمه الأسرة الممتدة ونمط الإنتاج الفلاحي بأشكاله التقليدية، وتكاد تعمه الأمية . وعلى الساحة السياسية يتصارع المشروع السلفي ذو الخصوصية الاتباعية، والمشروع الشيوعي الدغمائي، والمشروع القومي، وهي كلها مشاريع تتميز بنظرتها الأحادية، وأحكامها اليقينية المطلقة.
في ظل هذه الشروط، دعا تجمع شعر إلى الشخصانية المتمردة ضد كل القيم المترسخة في الذهن، وفصل الأدب عن السياسة، والسمو عن غوغائية المجتمع. "فالشاعر إنسان غريب في مجتمعه ـ يقول يوسف الخال ـ والعداوة بينهما أصيلة، وهي عداوة النقيضين اللذين يجب أن يتعايشا. فالإنسان كائن اجتماعي، والشاعر نفسه لا اجتماعي لأنه ضد المتعارف عليه والمعتاد والمألوف."
هذه المواقف المتطرفة التي تظهر قطيعة مع الماضي والحاضر لا ارتباطا جديدا به، وتجريدا للإنسان من تربيته ، ستجعل من المشروع الحداثي مشروعا أدبيا شعريا لم تتوفر له شروط توسيعه ليشمل الحقول المعرفية والاقتصادية والاجتماعية. وهذا ما سيجعل منه مشروعا وهميا منعزلا عن المجتمع برمته. ولن يستمر طويلا حتى يصطدم بجدار اللغة المحافظة على خصوصياتها الموروثة، وجدار الواقع المثقل بهموم المعيشة وضباب السياسة، لأنه لم ينجب إلا الانسحاق وفقدان التوازن والاستلاب للغرب في مرحلة كان الغرب يبدو عدوا لدودا"كما يقول برهان غليون .
إن الاتجاهات الأدبية العربية الحديثة بما فيها الاتجاه الحداثي لم تفرض نفسها بوصفها جوابا نظريا لأسئلة عملية، وإنما استمدت من مرجعية مغرقة في النظرية نشأت وتطورت في واقع آخر مخالف للواقع العربي، بل يعيش معه مرحلة صراع وتناقض. وعلى الرغم من ذلك ، فإن هذه الاتجاهات كلها تدعي قدرتها على فهم الواقع العربي، وأنها وحدها تملك أدوات وآليات تغييره. إلا أنها لن يمر وقت طويل حتى تصطدم بعراقيل واقعية لا قبل لها بها. فالاتجاه الحداثي سيصطدم بجدار اللغة ويعلن فشله في بيان أخير. والاتجاه القومي اللبرالي ستصدمه حرب 1967 ليبحث مباشرة بعدها عن طريق جديد. أما الاتجاه الواقعي فلم يجد له بعد مكانا في المجتمع والثقافة العربيين، وقد وصل إلى نهايته المحتومة بعد سقوط جدار برلين.
3 ثالثا :هنا أتساءل لماذا حددت الإبداع واقتصرت على ذكره في قصيدة النثر وحسب! ولم تأت على ذكر قصيدة التفعيلة على سبيل المثال !! مع أنهما ظهرا في نفس الحقبة الزمنية وكلاهما شرعا في تحديث الشكل والمضمون كذلك
لم أربط الإبداع بقصيدة النثر ، ولن يكون ذلك ، فهي كما سبقت الإشارة شكل كباقي الأشكال يكون فيها الإبداع أصعب لغياب معايير يمكن القياس عليها ، و إذا كنت قد اقتصرت على الإشارة إليها دون غيرها من الأشكال، فلأنني كنت أتحدث عن تخطي وتجاوز الوزن والقافية و التفعيلة أيضا الذي يميزها . أما الشكل التفعيلي ، فقد أبدع قصائد خالدة لا تقل روعة وجمالا وإبداعية عن معلقات الثقافة العربية . فالإبداع يمكن أن يتحقق في كل الأشكال ، بل إن الحداثة يمكن أن تتجلى أيضا في الشكل العمودي إذا تجاوزنا أبعادها الشكلية ، كما أشرتم إلى ذلك .
أليس تجنياً ادعاؤنا أن من شروط أي شيء نعتبره يجري في مفهوم الحداثة أن لا يكون مرتبطاً بعنصر أو ثيمة أو حتى دلالة من زمن آخر، وهذا ينطبق على الماضي والمستقبل وما بينهما من حاضر ويومي.
هذه هي الحداثة ، ولسنا نحن من نظر لها ، فقد نظر لها هناك في الغرب ، فأخذناها كما هي، وأعلنا القطيعة تلو القطيعة مع الماضي ، ولم يبق لها إلا الدين الذي وقف جدارا قويا أمامها لم تستطع تجاوزه، حتى إن أدونيس قال ذات لقاء : إن الحداثة العربية لن تتحقق إلا بمعصية ، فالتمرد والرفض قوامها ، وقد عبر أدونيس عن ذلك شعرا لما قال في مزمور فارس الكلمات الغريبة :
قصيده النثر في أعلى تجلياتها عند بودلير ورانبو ولافورج لا تقل امتلاء بالصور ولا تفجرا بالإيقاع الداخلي المتولد عن حركه الفكر, والتوفيق بين النقائض وصراعها, والمراوحه بين أطوال السطور, والتكرار, والوقفات وكسر التوقعات السمعيه , والمراوحه بين الخبر والإنشاء, عن الشعر الذي يراعي الوزن والقافيه. ولكن أين نجد مثل هذه الفضائل التعويضية في تلك الإفرازات المريضة والتشكيلات الهلامية التي يخرجها شعراء قصيده النثر وشواعره عندنا؟" انتهى.
أوافق عبد المعطي حجازي على ما ذهب إليه ، فقصيدة النثر لم تكن في مرجعياتها النظرية الغربية ولا في نصوصها الإبداعية هدما لكل مكونات القصيدة العمودية وقصيدة التفعيلة ، و إنما تجاوزت الهدم إلى البناء واقترحت بدائل لكل ما تم تجاوزه ، وهو ما أسماه الشاعر عبد المعطي حجازي
بامتلاء بالصور و تفجر الإيقاع الداخلي المتولد عن حركه الفكر, والتوفيق بين النقائض وصراعها, والمراوحه بين أطوال السطور, والتكرار, والوقفات وكسر التوقعات السمعيه , والمراوحه بين الخبر والإنشاء,
وفير هذه المكونات .
ولو رجعنا إلى الدراسات النظرية التي نظرت لهذا الشكل الشعري في ثقافتنا العربية لوجدنا أنها كلها تدعو إلى أن الإبداع ليس في التجاوز فحسب، وإنما في ما يقترح من بدائل لا تقبل التكرار ، أشار أدونيس وأنسي الحاج إلى الكثير منها.
وعلى الرغم من أن عبد المعطي حجازي لم يكن في يوم ما من كتاب قصيدة النثر ، لا ولا من مناصريها ومشجعيها ، وقد يتضمن حكمه الأخير:
ولكن أين نجد مثل هذه الفضائل التعويضية في تلك الإفرازات المريضة والتشكيلات الهلامية التي يخرجها شعراء قصيده النثر وشواعره عندنا؟
الكثير من التجني والتحامل على قصيدة النثر ، فإن هذا الحكم يتضمن نصيبا كبيرا من الصحة وكثيرا من المصداقية . ولكن في الآن نفسه ، لا يمكن أن ننفي عن كل ما كتب من قصائد نثرية في الشعر العربي صفة الشعرية ونصفه بالإفرازات المريضة والتشكيلات الهلامية ، فوسط ألف نص بائر لا يكاد يجد له قارئا قد نجد نصا شعريا جميلا يستحق القراءة .
فقصيدة النثر ليست بالشكل الشعري السهل الذي يمكن أن يبدع فيه كل الناس ، وإنما يكتب فيه من وهبه الله موهبة إبداعية غنية قادرة على إبداع بدائل تشد إليها القارئ وتحقق لديه المتعة التي كانت تحققها في القصيدة العمودية و قصيدة التفعيلة مكونات تم تخطيها وتجاوزها ،كما تكون قادرة على تجاوز نفسها باستمرار لأن قصيدة النثر شكل لا يقبل التكرار أبدا . وهو أمر من الصعب الاستمرار فيه إلى ما لا نهاية . إلا أن هذا لا يمنع الاستمرار في التجريب ، إذ بالتجريب و التراكم قد نصل إلى كتابة قصيدة نثر نوعية تتخطى كل تعثرات العقود السابقة .
2 ـ ثانيا : فيما يخص الشروط التاريخية و الذاتية التي أفرزت قصيدة النثر في الغرب ، ومثيلاتها في المشرق العربي ، أتفق معكم على أن هذا الشكل الشعري في الغرب كان وليدا شرعيا لشروط تاريخية ساهمت في انتشاره ونجاحه هناك . أما في عالمنا العربي ، فقد تم استيراده كما تم استيراد التكنولوجيا الحديثة دون أن تتوفر كل الشروط الموضوعية للإبداع فيه و انتشاره بين القراء . فقد سعت الحداثة العربية ممثلة في مجلة شعر اللبنانية إلى بناء نموذج حداثي عربي على شاكلة النموذج الغربي، وجعلت من قصيدة النثر الشكل الشعري الملائم للتعبير عن نموذجها ، فلم يتحقق لها نفس النجاح الذي تحقق لمثيلتها الغربية، ذلك أن هذه الأخيرة نشأت وتطورت في المدن الصناعية الكبرى كبرلين وفيينا وبراغ وشيكاغو ونيويورك وباريس، فتوفرت لها شروط تاريخية سياسية واقتصادية واجتماعية تدمر فيها الناس من العلم ونتائجه وعواقبه، وشككوا في قدرته على إسعادهم، وعلى قدرته في الوصول إلى الحقيقة؛ ففضلوا التجربة الفردية وما يترتب عنها من معارف تعددية غامضة على العقل المنظم. أما الحداثة العربية، فقد وجدت نفسها مقيدة بواقع مخالف للواقع الغربي، تحكمه شروط تاريخية فكرية واجتماعية وسياسية لا علاقة لها بالمعضلات الكيانية التي أفرزتها الثقافة الغربية.( القلق - اليأس ، الانسحاق ، الغربة ، النفي الكياني ...) فقد كانت المرحلة مرحلة تناقض وطني وقومي مع الآخر الذي هو مصدر هذه الحداثة، وهي مرحلة تستلزم توحيد الرأي، والقفز عن التناقضات الداخلية، والتضحية بالذات وبمصالحها الشخصية لصالح المصالح الوطنية والقومية. أما المجتمع، فأبعد ما يكون عن هيمنة الروح الفردية، إذ تحكمه الأسرة الممتدة ونمط الإنتاج الفلاحي بأشكاله التقليدية، وتكاد تعمه الأمية . وعلى الساحة السياسية يتصارع المشروع السلفي ذو الخصوصية الاتباعية، والمشروع الشيوعي الدغمائي، والمشروع القومي، وهي كلها مشاريع تتميز بنظرتها الأحادية، وأحكامها اليقينية المطلقة.
في ظل هذه الشروط، دعا تجمع شعر إلى الشخصانية المتمردة ضد كل القيم المترسخة في الذهن، وفصل الأدب عن السياسة، والسمو عن غوغائية المجتمع. "فالشاعر إنسان غريب في مجتمعه ـ يقول يوسف الخال ـ والعداوة بينهما أصيلة، وهي عداوة النقيضين اللذين يجب أن يتعايشا. فالإنسان كائن اجتماعي، والشاعر نفسه لا اجتماعي لأنه ضد المتعارف عليه والمعتاد والمألوف."
هذه المواقف المتطرفة التي تظهر قطيعة مع الماضي والحاضر لا ارتباطا جديدا به، وتجريدا للإنسان من تربيته ، ستجعل من المشروع الحداثي مشروعا أدبيا شعريا لم تتوفر له شروط توسيعه ليشمل الحقول المعرفية والاقتصادية والاجتماعية. وهذا ما سيجعل منه مشروعا وهميا منعزلا عن المجتمع برمته. ولن يستمر طويلا حتى يصطدم بجدار اللغة المحافظة على خصوصياتها الموروثة، وجدار الواقع المثقل بهموم المعيشة وضباب السياسة، لأنه لم ينجب إلا الانسحاق وفقدان التوازن والاستلاب للغرب في مرحلة كان الغرب يبدو عدوا لدودا"كما يقول برهان غليون .
إن الاتجاهات الأدبية العربية الحديثة بما فيها الاتجاه الحداثي لم تفرض نفسها بوصفها جوابا نظريا لأسئلة عملية، وإنما استمدت من مرجعية مغرقة في النظرية نشأت وتطورت في واقع آخر مخالف للواقع العربي، بل يعيش معه مرحلة صراع وتناقض. وعلى الرغم من ذلك ، فإن هذه الاتجاهات كلها تدعي قدرتها على فهم الواقع العربي، وأنها وحدها تملك أدوات وآليات تغييره. إلا أنها لن يمر وقت طويل حتى تصطدم بعراقيل واقعية لا قبل لها بها. فالاتجاه الحداثي سيصطدم بجدار اللغة ويعلن فشله في بيان أخير. والاتجاه القومي اللبرالي ستصدمه حرب 1967 ليبحث مباشرة بعدها عن طريق جديد. أما الاتجاه الواقعي فلم يجد له بعد مكانا في المجتمع والثقافة العربيين، وقد وصل إلى نهايته المحتومة بعد سقوط جدار برلين.
3 ثالثا :هنا أتساءل لماذا حددت الإبداع واقتصرت على ذكره في قصيدة النثر وحسب! ولم تأت على ذكر قصيدة التفعيلة على سبيل المثال !! مع أنهما ظهرا في نفس الحقبة الزمنية وكلاهما شرعا في تحديث الشكل والمضمون كذلك
لم أربط الإبداع بقصيدة النثر ، ولن يكون ذلك ، فهي كما سبقت الإشارة شكل كباقي الأشكال يكون فيها الإبداع أصعب لغياب معايير يمكن القياس عليها ، و إذا كنت قد اقتصرت على الإشارة إليها دون غيرها من الأشكال، فلأنني كنت أتحدث عن تخطي وتجاوز الوزن والقافية و التفعيلة أيضا الذي يميزها . أما الشكل التفعيلي ، فقد أبدع قصائد خالدة لا تقل روعة وجمالا وإبداعية عن معلقات الثقافة العربية . فالإبداع يمكن أن يتحقق في كل الأشكال ، بل إن الحداثة يمكن أن تتجلى أيضا في الشكل العمودي إذا تجاوزنا أبعادها الشكلية ، كما أشرتم إلى ذلك .
أليس تجنياً ادعاؤنا أن من شروط أي شيء نعتبره يجري في مفهوم الحداثة أن لا يكون مرتبطاً بعنصر أو ثيمة أو حتى دلالة من زمن آخر، وهذا ينطبق على الماضي والمستقبل وما بينهما من حاضر ويومي.
هذه هي الحداثة ، ولسنا نحن من نظر لها ، فقد نظر لها هناك في الغرب ، فأخذناها كما هي، وأعلنا القطيعة تلو القطيعة مع الماضي ، ولم يبق لها إلا الدين الذي وقف جدارا قويا أمامها لم تستطع تجاوزه، حتى إن أدونيس قال ذات لقاء : إن الحداثة العربية لن تتحقق إلا بمعصية ، فالتمرد والرفض قوامها ، وقد عبر أدونيس عن ذلك شعرا لما قال في مزمور فارس الكلمات الغريبة :
لا أسلاف له وفي خطواته جذوره .
وهو ما لم يتحقق إلا نظريا ، أما واقعيا وإبداعيا ، فقد ظل الارتباط بالماضي بكل مكوناته قويا ومتينا ، لذا لم تصمد مجلة شعر إلا سبع سنوات لتعلن فشلها في بيان أخير سنة
1964.
الأستاذ الفاضل محمد ثلجي : شكرا جزيلا على سعة صدركم وحلمكم ونقاشكم الهادئ . احترامي وتقدير أيها الفاضل.
وهو ما لم يتحقق إلا نظريا ، أما واقعيا وإبداعيا ، فقد ظل الارتباط بالماضي بكل مكوناته قويا ومتينا ، لذا لم تصمد مجلة شعر إلا سبع سنوات لتعلن فشلها في بيان أخير سنة
1964.
الأستاذ الفاضل محمد ثلجي : شكرا جزيلا على سعة صدركم وحلمكم ونقاشكم الهادئ . احترامي وتقدير أيها الفاضل.
__________________
_** نشر هذا المقال لأول مرة بموقع ملتقى الأدباء والمبدعين العرب
_** نشر هذا المقال لأول مرة بموقع ملتقى الأدباء والمبدعين العرب
الأستاذ المحترم و الشاعر الناقد الفاضل يوسف الديك: أشد على أيديكم بحرارة، و أنحني بإجلال أمام تدخلكم العلمي الهادئ الذي يدافع عن وجهة نظر في الشعر الحداثي عامة وقصيدةالنثر خاصة . وفي ضوء هذه الوجهة نظر ، تقوّمون شعر محمد الماغوط .
فإذا اتفقنا ـ ويجب أن نتفق ـ على أن الشعر هو الدهشة والغرابة، فقلما نجدها في صور الماغوط . فقدسبق لي أن قرأت أعماله الكاملة الشعرية والمسرحية . وبقدر ما أعجبت بمسرحية المهرج خاصة ـ بقدر ما لم أجد في ديوانيه : حزن في ضوء القمر و الفرح ليس مهنتي ما يرضي ذوقي الشعري ، الذي نشأ مع قصيدة التفعيلة،و بشكل خاص مع شعر السياب و عبد المعطي حجازي و أحمد المجاطي وأمل دنقل و يوسف الخال و أدونيس.... وهو شعر نصوصه تختلف عن نصوص الماغوط .... لكنني بحكم اشتغالي على كل المرجعيات النظرية والمنابر الحداثية في كتابي : القصيدة العربية المعاصرة بين هاجس التنظير وهاجس التجريب، كان هاجسي هو تصنيف كل المرجعيات و البحث في العلاقة بينها وبين نصوصها الإبداعية .وكان سؤالي الملح هو مالذي يجعل النقد الحديث يصنف هذا النص أو ذاك في دائرة الشعر . وبعبارة أخرى : مالذي يمكن أن يجعل من هذا النص نصا شعريا في نظر النقد المعجب به،؟ فوجدت الكثير من نصوص هذا الشعر لا يكتسب شعريته من لغته الشعرية، و إنما من موضوعه السياسي الهجائي ، أو من جرأته الدينية، أو من فحش القول. وإذا تجاوزنا هذه المكونات يتحول النص إلى كلام عاد . ومن خصوصيات الكثير من نصوص الماغوط تلقائيتها وعفويتها و استرسالها في الكلام ، وانبناؤها على كلمة واحدة لو حذفت أو غيرت، فقدت هذه النصوص أي صلة لها بالشعر ، ومن بين هذه النصوص
فإذا اتفقنا ـ ويجب أن نتفق ـ على أن الشعر هو الدهشة والغرابة، فقلما نجدها في صور الماغوط . فقدسبق لي أن قرأت أعماله الكاملة الشعرية والمسرحية . وبقدر ما أعجبت بمسرحية المهرج خاصة ـ بقدر ما لم أجد في ديوانيه : حزن في ضوء القمر و الفرح ليس مهنتي ما يرضي ذوقي الشعري ، الذي نشأ مع قصيدة التفعيلة،و بشكل خاص مع شعر السياب و عبد المعطي حجازي و أحمد المجاطي وأمل دنقل و يوسف الخال و أدونيس.... وهو شعر نصوصه تختلف عن نصوص الماغوط .... لكنني بحكم اشتغالي على كل المرجعيات النظرية والمنابر الحداثية في كتابي : القصيدة العربية المعاصرة بين هاجس التنظير وهاجس التجريب، كان هاجسي هو تصنيف كل المرجعيات و البحث في العلاقة بينها وبين نصوصها الإبداعية .وكان سؤالي الملح هو مالذي يجعل النقد الحديث يصنف هذا النص أو ذاك في دائرة الشعر . وبعبارة أخرى : مالذي يمكن أن يجعل من هذا النص نصا شعريا في نظر النقد المعجب به،؟ فوجدت الكثير من نصوص هذا الشعر لا يكتسب شعريته من لغته الشعرية، و إنما من موضوعه السياسي الهجائي ، أو من جرأته الدينية، أو من فحش القول. وإذا تجاوزنا هذه المكونات يتحول النص إلى كلام عاد . ومن خصوصيات الكثير من نصوص الماغوط تلقائيتها وعفويتها و استرسالها في الكلام ، وانبناؤها على كلمة واحدة لو حذفت أو غيرت، فقدت هذه النصوص أي صلة لها بالشعر ، ومن بين هذه النصوص
مسافر عربي في محطات الفضاء
محمدالماغوط
أيها العلماءُ والفنيون
أعطوني بطاقة سفر إلى السماء
محمدالماغوط
أيها العلماءُ والفنيون
أعطوني بطاقة سفر إلى السماء
فأنا موفدٌ من قبل بلادي الحزينة
باسم أراملها وشيوخها وأطفالها
كي تعطوني بطاقة مجانيةً إلى السماء
ففي راحتي بدل النقود ... " دموع "
باسم أراملها وشيوخها وأطفالها
كي تعطوني بطاقة مجانيةً إلى السماء
ففي راحتي بدل النقود ... " دموع "
لامكان لي ؟
ضعوني في مؤخرة العربة
على ظهرها
فأنا قروي ومعتادٌ على ذلك
لن أؤذي نجمة
ولن أسئَ إلى سحابة
كل ما أريده هو الوصول
بأقصى سرعةٍإلى السماء
لأضع السوطَ في قبضة الله
لعله يحَرضنا على الثورة .
لأضع السوطَ في قبضة الله
لعله يحَرضنا على الثورة .
ديوان "الفرح ليس مهنتى"
ص52
ص52
في ما تبقى ، أوافقكم الرأي كليا على أن التمرد والهدم لا ينبغي أن يكون هدفا لذاته ،وإنما يتلوه البناء الجديد، وكل جديد لا بد أن يكون نادرا، والندرة تتولد عنها الغرابة، والغرابة تتولد عنها الدهشة، يقول الجاحظ : إن الشيء من غير معدنه أغرب ، وإذا كان أغرب كان أبعد في الوهم ، وإذا كان أبعد في الوهم كان أطرف ، وإذا كان أطرف كان أعجب ، وإذا كان أعجب كان أبدع.
شكرا الأستاذ الفاضل على حواركم الممتع والقيم الذي يعبر عن موقف ليس لنا إلا أن نجله ونحترمه ونثمنه .
دار المدى للثقافةوالنشر
طبعة 2006م
فهذا النص تختزل شعريته في هجائيته وسخريته وموضوعه السياسي ، ولو حذفنا السطرين الأخيرين الذين يمنحان النص هذه الميزة، لتحول إلى كلام عاد جدا . لعل الشاعر الماغوط وجد في هذه التيمة ما يميزه ويجعل منه صاحب تصور للشعر يميزه عن غيره ،فكتب على منوالها مجمل قصائده .
هل هذا التصور تصور سليم أم غير سليم ؟
لايمكن أن يكون سليما من وجهة نظر شاعر يرى الإبداع في الدهشة والغرابة ، لكن سوق النقد الأدبي العربي المعاصر ومنبر مجلة شعر، و السجن والتشرد والموقف السياسي وسوسيولوجيا التسويق جعلت منه شاعرا متميزا وصاحب طريقة في الكتابة قد لا يوافقه الكثير من الشعراء والنقاد عليها ، لكنها أصبحت أمرا واقعا له خصوصياته ومميزاته.
هل هذا التصور تصور سليم أم غير سليم ؟
لايمكن أن يكون سليما من وجهة نظر شاعر يرى الإبداع في الدهشة والغرابة ، لكن سوق النقد الأدبي العربي المعاصر ومنبر مجلة شعر، و السجن والتشرد والموقف السياسي وسوسيولوجيا التسويق جعلت منه شاعرا متميزا وصاحب طريقة في الكتابة قد لا يوافقه الكثير من الشعراء والنقاد عليها ، لكنها أصبحت أمرا واقعا له خصوصياته ومميزاته.
الأستاذ القدير علي المتقي يسعدني كثيرا خوض هذه المسألة المعقدة ونقاشها على نطاق موسع للفائدة . وسيكون ردي هذا مقتصراً على ما جاء في تعليقكم بمداخلة لي كنت أدرجتها أول أمس رداً على موضوع كان نشره الأستاذ عزيز العرباوي . مع العلم أن جزءً كبيرا من ملامح هذه المداخلة هي جزء من كتابي ( كسر الوهم) الذي أعمل عليه هذه الأيام وبالمناسبة سأقوم بنشر أجزاء منه في الملتقى للفائدة .
أمامي مقولة للشاعر المعروف عبد المعطي حجازي لا ضير من إلقاء الضوء على بعض مما جاء فيها، لأهميتها واتصالها بالموضوع المثار . حيث يقول :
"قصيده النثر في أعلى تجلياتها عند بودلير ورامبو ولافورج لا تقل امتلاء بالصور ولا تفجرا بالإيقاع الداخلي المتولد عن حركه الفكر, والتوفيق بين النقائض وصراعها, والمراوحه بين أطوال السطور, والتكرار, والوقفات وكسر التوقعات السمعيه , والمراوحه بين الخبر والإنشاء, عن الشعر الذي يراعي الوزن والقافيه. ولكن أين نجد مثل هذه الفضائل التعويضية في تلك الإفرازات المريضة والتشكيلات الهلامية التي يخرجها شعراء قصيده النثر وشواعره عندنا؟" انتهى.
إذن لا بد لنا عند تناول الفكرة بموضوعية وشمول. تتبع الأسباب الحقيقية التي ساهمت في تطور قصيدة النثر عند الشعراء الذين أشار لهم عبد المعطي حجازي .
عند تقبنا للظروف المحيطة بالشاعر بودليربداية من حياته الباذخة كإبن وحيد لعائلة عرفت بالثراء الفاحش . توفي والده وتزوجت أمه من آخر كان من نتائج هذا الزواج شرخ كبير في نفسية هذا الفتى المدلل ثم مزيد من التهور والتسكع والبذخ والطيش حتى أنه أصيب فيما بعد بمرض الزهري هو مرض عضوي تناسلي من أهم أسبابه العلاقات الجنسية المتكررة.
في خضم هذا الضياع والذهول أضف لما أنتجته الثورة في أوربا قاطبة والتمرد على العادات والقيم والدين في تلك الحقبة الزمنية الفارقة كذلك انكبابه على القراءة والتواصل مع كبار الفلاسفة والأدباء والمفكرين في عصره أمثال: فريدريك نيتشه، هيجل، كارل ماركس، فكتور هوجو.في خضم كل ذلك برز العامل النفسي وتصدر كتاباته من جهة التمرد على الذات والآخر والمحيط ونحو ذلك.
هنا نلتقي جذرياً مع تساؤل عبد المعطي حجازي وقوله أين شعرائنا الذين أخذوا على نفسهم قيادة دفة قصيدة النثر من تجلت وعكست مراحل زمنية متورطة في ظهورها إضافة للتشكيلات النفسية والعلاقات المفككة بحيث أصبحت جزءً من طبيعة التغيير الحاصل في نمطية القصيدة التقليدية!!
هل أدونيس والخال وأنسي الحاج وغيرهم عندما شرعوا بكتابة قصيدة النثر. هل مروا بمراحل تتشابه ولو ضمنياً كتلك التي مرّ بها بودلير على سبيل المثال!! انا أعتقد أن لكل فعل ردة فعل .. وهذا يقودنا لفكرة مفادها أن الظروف والأسباب المحيطة لظهور قصيدة النثر في أوروبا تختلف جذرياً عن الظروف الحاصلة عندنا. ولا يوجد ثمة ما يربطهما بوثاق متين سوى التأثر الفردي والشكلي والأهم عاملي الإبهار والنرجسية.
ولنستعرض هنا رأي أنسي الحاج في قصيدة النثر :أن قصيدتنا معرضة للسقوط في المزالق التي قد يجر إليها النثر, لأنه ليس هناك من حام لها كالوزن, مثلا , الذي يشكل عمليا حماية خارجية للقصيدة الموزونة. أنت تريد أن تكتب قصيدة تتوافر لها شروط تميزها عن الأجناس الأدبية الأخرى, وقد وضعنا في مستهل اطلاقنا لتسمية (قصيدة النثر) بعضا لشروط العجلى... وربما كانت هذه الشروط ناقصة ولم ترسم هوية واضحة للقصيدة, ولكن مع الاستعانة بسوزان برناراستطعنا أن نقترب مبدئيا من الشروط المعقولة للخروج من الفوضى.
أيضاً رأي ادونيس : قصيدة النثر هي تمرد على النمطية السائدة في الشعر التقليدي ، والتي تعتبر ان صياغة التعريف القديم للشعر ، إنما هي "عبارة تشوه الشعر . فهي العلاقة والشاهد على المحدودية والانغلاق . وهي إلى ذلك (أي التعريف القديم للشعر) حكم عقلي منطقي، يقوم على ثوابت لا تسمح بالتغيير ، أو التحول عنها .
يعود ادونيس في لقاء عبر إحدى القنوات الفضائية ويقول: هي ليستخروج عن الوزن الخليلي . بل خروج وتمرد على النظام السياسي والديني والعرفي.
ويأتي فيما بعد مقتبساً -ادونيس - شروط وقواعد في دراسته عن قصيدة النثر وسماها "خصائص" من كتاب سوزان بيرنار وحددها بثلاث هي :
الإيجاز (الكثافة) .
التوهج (الاشراق) .
المجانية (اللازمنية)
بعد كل ما ذكر سنلاحظ أن هنالك تخبط وأوهام وثمة خطاب جاهز مركب ومعد مسبقاً عند تناول مفهوم قصيدة النثر ، هذه الضوضاء واللاوعي هي نفسها من تسببت بتشتيت هذا النوع من الشعر . كما أن معظم كتاب ورواد قصيدة النثر اعترفوا أنفسهم أنها كانت مجردمحاولات تجريبية في لحظات وجدانية لا تتعدى كونها بداية لبروز الموهبة الشعرية.
أنت تقول أخي دكتور علي المتقي أن إبداع قصيدة النثر يقتضي تخطي الثقافة التقليدية التي تؤمن بأسبقية الماهية على الوجودو تجاوزها إلى الثقافة الحداثية التي تؤمن بأسبقية الوجود على الماهية.
هنا أتساءل لماذا حددت الإبداع واقتصرت على ذكره في قصيدة النثر وحسب! ولم تأت على ذكر قصيدة التفعيلة على سبيل المثال !! مع أنهما ظهرا في نفس الحقبة الزمنية وكلاهما شرعا في تحديث الشكل والمضمون كذلك : أليس تجنياً ادعاؤنا أن من شروط أي شيء نعتبره يجري في مفهوم الحداثة أن لا يكون مرتبطاً بعنصر أو ثيمة أو حتى دلالة من زمن آخر، وهذا ينطبق على الماضي والمستقبل وما بينهما من حاضر ويومي.
أنا مع الحداثة الشعرية وهي ضرورة من ضروريات التعايش والالتقاء والتواصل ولكن ليس بالتخلي الجذري عن ثوابت الأشياء وأسباب وجودها وتطورها لأن ذلك من المستحيل والعبث. وإلا لكان من الممكن استحداث إنساناً، تماماً مثلي ومثلك، من لحم ودم يكتب ويحب وينجب ويمشي ويركض. ثم قتلنا أنفسنا بما أنا جزء من الماضي.
هذا ينطبق حتماً وبالإمكان القياس عليه بما يخص قصيدة التفعيلة والتي برأيي امتداد لقصيدة العمودي مع الاختلاف الحاصل من حيث الشكل والبنية الإيقاعية والتوزيع الجغرافي للجمل مع التأكيد على أنه من السهل تحديث قصيدة العمودي وصقلها بالحداثة من جهة الرؤى والصور والتركيب والانزياح بأشكاله وحيثياته. وهذا ما بدأنا نشهده بكثرة على أيدي شعراء معاصرين استطاعوا تجريب الحداثة الشعرية على النصوص العمودية فصقلوها بمواهابهم وأغدقوها بتجلياتهم التي اكتسبوها من معايشتهم للواقع واطلاعهم على أشكال أدبية جديدة معاصرة.
أمامي مقولة للشاعر المعروف عبد المعطي حجازي لا ضير من إلقاء الضوء على بعض مما جاء فيها، لأهميتها واتصالها بالموضوع المثار . حيث يقول :
"قصيده النثر في أعلى تجلياتها عند بودلير ورامبو ولافورج لا تقل امتلاء بالصور ولا تفجرا بالإيقاع الداخلي المتولد عن حركه الفكر, والتوفيق بين النقائض وصراعها, والمراوحه بين أطوال السطور, والتكرار, والوقفات وكسر التوقعات السمعيه , والمراوحه بين الخبر والإنشاء, عن الشعر الذي يراعي الوزن والقافيه. ولكن أين نجد مثل هذه الفضائل التعويضية في تلك الإفرازات المريضة والتشكيلات الهلامية التي يخرجها شعراء قصيده النثر وشواعره عندنا؟" انتهى.
إذن لا بد لنا عند تناول الفكرة بموضوعية وشمول. تتبع الأسباب الحقيقية التي ساهمت في تطور قصيدة النثر عند الشعراء الذين أشار لهم عبد المعطي حجازي .
عند تقبنا للظروف المحيطة بالشاعر بودليربداية من حياته الباذخة كإبن وحيد لعائلة عرفت بالثراء الفاحش . توفي والده وتزوجت أمه من آخر كان من نتائج هذا الزواج شرخ كبير في نفسية هذا الفتى المدلل ثم مزيد من التهور والتسكع والبذخ والطيش حتى أنه أصيب فيما بعد بمرض الزهري هو مرض عضوي تناسلي من أهم أسبابه العلاقات الجنسية المتكررة.
في خضم هذا الضياع والذهول أضف لما أنتجته الثورة في أوربا قاطبة والتمرد على العادات والقيم والدين في تلك الحقبة الزمنية الفارقة كذلك انكبابه على القراءة والتواصل مع كبار الفلاسفة والأدباء والمفكرين في عصره أمثال: فريدريك نيتشه، هيجل، كارل ماركس، فكتور هوجو.في خضم كل ذلك برز العامل النفسي وتصدر كتاباته من جهة التمرد على الذات والآخر والمحيط ونحو ذلك.
هنا نلتقي جذرياً مع تساؤل عبد المعطي حجازي وقوله أين شعرائنا الذين أخذوا على نفسهم قيادة دفة قصيدة النثر من تجلت وعكست مراحل زمنية متورطة في ظهورها إضافة للتشكيلات النفسية والعلاقات المفككة بحيث أصبحت جزءً من طبيعة التغيير الحاصل في نمطية القصيدة التقليدية!!
هل أدونيس والخال وأنسي الحاج وغيرهم عندما شرعوا بكتابة قصيدة النثر. هل مروا بمراحل تتشابه ولو ضمنياً كتلك التي مرّ بها بودلير على سبيل المثال!! انا أعتقد أن لكل فعل ردة فعل .. وهذا يقودنا لفكرة مفادها أن الظروف والأسباب المحيطة لظهور قصيدة النثر في أوروبا تختلف جذرياً عن الظروف الحاصلة عندنا. ولا يوجد ثمة ما يربطهما بوثاق متين سوى التأثر الفردي والشكلي والأهم عاملي الإبهار والنرجسية.
ولنستعرض هنا رأي أنسي الحاج في قصيدة النثر :أن قصيدتنا معرضة للسقوط في المزالق التي قد يجر إليها النثر, لأنه ليس هناك من حام لها كالوزن, مثلا , الذي يشكل عمليا حماية خارجية للقصيدة الموزونة. أنت تريد أن تكتب قصيدة تتوافر لها شروط تميزها عن الأجناس الأدبية الأخرى, وقد وضعنا في مستهل اطلاقنا لتسمية (قصيدة النثر) بعضا لشروط العجلى... وربما كانت هذه الشروط ناقصة ولم ترسم هوية واضحة للقصيدة, ولكن مع الاستعانة بسوزان برناراستطعنا أن نقترب مبدئيا من الشروط المعقولة للخروج من الفوضى.
أيضاً رأي ادونيس : قصيدة النثر هي تمرد على النمطية السائدة في الشعر التقليدي ، والتي تعتبر ان صياغة التعريف القديم للشعر ، إنما هي "عبارة تشوه الشعر . فهي العلاقة والشاهد على المحدودية والانغلاق . وهي إلى ذلك (أي التعريف القديم للشعر) حكم عقلي منطقي، يقوم على ثوابت لا تسمح بالتغيير ، أو التحول عنها .
يعود ادونيس في لقاء عبر إحدى القنوات الفضائية ويقول: هي ليستخروج عن الوزن الخليلي . بل خروج وتمرد على النظام السياسي والديني والعرفي.
ويأتي فيما بعد مقتبساً -ادونيس - شروط وقواعد في دراسته عن قصيدة النثر وسماها "خصائص" من كتاب سوزان بيرنار وحددها بثلاث هي :
الإيجاز (الكثافة) .
التوهج (الاشراق) .
المجانية (اللازمنية)
بعد كل ما ذكر سنلاحظ أن هنالك تخبط وأوهام وثمة خطاب جاهز مركب ومعد مسبقاً عند تناول مفهوم قصيدة النثر ، هذه الضوضاء واللاوعي هي نفسها من تسببت بتشتيت هذا النوع من الشعر . كما أن معظم كتاب ورواد قصيدة النثر اعترفوا أنفسهم أنها كانت مجردمحاولات تجريبية في لحظات وجدانية لا تتعدى كونها بداية لبروز الموهبة الشعرية.
أنت تقول أخي دكتور علي المتقي أن إبداع قصيدة النثر يقتضي تخطي الثقافة التقليدية التي تؤمن بأسبقية الماهية على الوجودو تجاوزها إلى الثقافة الحداثية التي تؤمن بأسبقية الوجود على الماهية.
هنا أتساءل لماذا حددت الإبداع واقتصرت على ذكره في قصيدة النثر وحسب! ولم تأت على ذكر قصيدة التفعيلة على سبيل المثال !! مع أنهما ظهرا في نفس الحقبة الزمنية وكلاهما شرعا في تحديث الشكل والمضمون كذلك : أليس تجنياً ادعاؤنا أن من شروط أي شيء نعتبره يجري في مفهوم الحداثة أن لا يكون مرتبطاً بعنصر أو ثيمة أو حتى دلالة من زمن آخر، وهذا ينطبق على الماضي والمستقبل وما بينهما من حاضر ويومي.
أنا مع الحداثة الشعرية وهي ضرورة من ضروريات التعايش والالتقاء والتواصل ولكن ليس بالتخلي الجذري عن ثوابت الأشياء وأسباب وجودها وتطورها لأن ذلك من المستحيل والعبث. وإلا لكان من الممكن استحداث إنساناً، تماماً مثلي ومثلك، من لحم ودم يكتب ويحب وينجب ويمشي ويركض. ثم قتلنا أنفسنا بما أنا جزء من الماضي.
هذا ينطبق حتماً وبالإمكان القياس عليه بما يخص قصيدة التفعيلة والتي برأيي امتداد لقصيدة العمودي مع الاختلاف الحاصل من حيث الشكل والبنية الإيقاعية والتوزيع الجغرافي للجمل مع التأكيد على أنه من السهل تحديث قصيدة العمودي وصقلها بالحداثة من جهة الرؤى والصور والتركيب والانزياح بأشكاله وحيثياته. وهذا ما بدأنا نشهده بكثرة على أيدي شعراء معاصرين استطاعوا تجريب الحداثة الشعرية على النصوص العمودية فصقلوها بمواهابهم وأغدقوها بتجلياتهم التي اكتسبوها من معايشتهم للواقع واطلاعهم على أشكال أدبية جديدة معاصرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق