الأحد، 19 أبريل 2015

كلمة في تكريم الأستاذ العلامة علي أيت علي

      السادة الأجلاء : لما طلب مني أن أقدم شهادة في حق أستاذنا الجليل علي أيت علي حفظه الله وأمد في عمره ، استصعبت الأمر لسببين: السبب الأول: اعتقادي أن هناك من زملائه  و أصدقائه من هم أولى بتقديم هذه الشهادة. لكنني لما رجعت بذاكرتي إلى زمن مضى، وجدت أن العلاقة بيني وبينه تمتد لربع قرن، وهي فترة كافية لتنفخ في علاقاتنا الإنسانية بكير التجربة، فتميز فيها بين المغشوش والمنقوش. ويشهد الله أنني مذ عرفت الرجل، عرفت  له وجها واحدا لا أوجها، بلا أقنعة تتلون بتلون المناصب و تتغير بتغير المصالح. الاعتبار الثاني الخوف من أن تخونني لغتي فتصير الكلمات عاجزة عن التعبير عن مكانة الرجل في قلبي. وعلى الرغم من ذلك ،لا بد لي أن أتكلم حتى وإن عجزت كلماتي  لأقول لأستاذي الجليل استفت قلبك فتعرف مكانتك عند الناس، فما تأتي به عقولنا قد يكون خاطئا، وما تأتي به قلوبنا لا يكون خاطئا أبدا.

السبت، 11 أبريل 2015

مفاتيح الغيب في تفسير الرازي

  

         التفسير الكبير للفخر الرازي المتوفى سنة 606 هجرية يسمى أيضا  مفاتيح الغيب. و قد أثارني هذا العنوان مرتين، فالعنوان كعتبة في ثقافتنا العربية  لا يؤدي وظيفة التسمية فحسب و إنما تربطه بالمسمى علاقة غير اعتباطية قد ترتبط بمضمونه أو بوظيفته أو بمكانته من بين مصادر الحقل الثقافي الذي ينتمي إلي . ويفهم من هذه العبارة أن الفخر الرازي يقدم في هذا الكتاب ما اصطلح عليه بمفاتيح الغيب. إذا كان هذا الافتراض صحيحا فمن الطبيعي بل من الواجب أن يتساءل القارئ عن هذه المفاتيح ما هي .
       الإثارة الثانية تتعلق بمفهوم المفتاح ومفهوم الغيب ، وعلاقتهما بما ورد في الآية 59 من سورة الأنعام: "وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو..." فالآية صريحة بأن مفاتيح الغيب مخصوصة لله عز وجل لا يعلمها إلا هو. فعن أي مفاتيح غيب سيحدثنا الفخر الرازي وقد خص الله عز وجل نفسه بعلمها؟ هذا يدعونا إلى تحديد مفهوم المفتاح ومفهوم الغيب كما فهمهما الفخر الرازي في تفسيره لهذه الآية وعلاقتهما بمفاتيح الغيب في تفسيره الكبير .

البلاغة و الأسلوبية



منذ بداية الوعي بخصوصية الكتابة الأدبية وفنون القول، كانت البلاغة هي العلم المؤطر و الموجه للإبداع  و النقد الأدبي، فوضعت الحدود بين الأجناس الأدبية، وحددت أساليب كل جنس وأدوات تعبيره .
"ولدت البلاغة في اليونان،- يقول بيير جيرو - وكانت عبارة عن فن يستخدم لتأليف خطاب يلقى على الخشبة أو على المنبر. ولقد أبدعت العبقرية الهندسية لليونان نظرية في الفصاحة، وذلك بتحليل دقيق لنظام القضايا وشروط التعبير."[1]
وعلى الرغم من تجدد الأجناس الأدبية في العصور الوسطى والكلاسيكية، فإن الأدب حافظ على مفهوم الجنس الأدبي طوال هذه العصور[2]، وحافظت البلاغة على الإطار الشكلي لكل جنس وقواعده الخاصة.
وقد كانت العلاقة بين البلاغة و الأدب علاقة النجم بكواكبه، يدور في فلكها و فق نظام دقيق يرسم  قواعد كل جنس و قوانينه التي لا يحيد عنها على امتداد قرون. ويؤكد هنيرش بليت هذا الرأي بقوله: "فمن شعرية أرسطو إلى الشعرية الجديدة في القرون الوسطى وصولا إلى النظريات الكلاسيكية (...)  هيمنت البلاغة على التفكير الشعري والمنطقي، واقتفى الأدب توجيهاتها. ومن جهة أخرى تسرب الأدب إلى المؤلفات البلاغية ليمدها بمجموعة من المقومات الأسلوبية خاصة."[3]
لقد كان هاجس البلاغة هو إنتاج النصوص وفق قواعد ثابتة مترابطة وفق أسس منطقية." تشكل  "في مجموعها بناء معقدا يتكون هيكله من التبعية والمشابهة والتحديد"[4]