السبت، 19 فبراير 2022

الفقيه علي بن محمد التامكروتي ونفحته المسكية

 

ا                               

                                        

         تمهيد: كانت بلاد درعة الوسطى في القرن العاشر بلاد علم ومجمع علماء وفقهاء. وانتشار الزوايا على امتداد الوادي أثر دال على هذه الظاهرة، إلا أن هذا الانتشار لم يحقق تراكما علميا ومعرفيا في القرون الموالية، مما يدفعنا إلى التساؤل: أين أثر القرن العاشر في ما بعده، ولماذا اضمحل العلم وقل العلماء بعد هذا القرن؟

       يرجع الباحثون السبب الرئيس في ذلك إلى توالي الأوبئة التي أبادت الكثير من الناس، وإلى الهجرات المتوالية التي فرضتها الظروف المناخية، إذ لم يكن وادي درعة واديا دائم الاخضرار، فقد توالت عليه فترات جفاف قاتلة عصفت بالأخضر واليابس، مما دفع بالكثير من رجالاته وعلمائه إلى الهجرة منه كما جاؤوا إليه في فترات اخضراره.

الأربعاء، 9 فبراير 2022

التعايش السلمي بين الأديان في الشعر الحديث

 


 

                    د. علي المتقي

تمهيد

       التعايش السلمي بين بني البشر بمختلف أجناسهم وعقائدهم قديم قدم البشرية، فمنذ أن وجد الإنسان وجد معه غيره من بني جنسه، هذا الآخر الذي قد يختلف عنه في الجنس أو الدين أو القيم والأعراف... فكان لا بد من أحد أمرين: إما أن يجعلا من الاختلاف جوهر وجودهما وأساسه، فيتقاتلان ويتصارعان ويبيد الواحد منهما الآخر من أجل أن يثبت وجوده، وإما أن يجعلا من المشترك بينهما أساس وجودهما فيتعايشان ويقبلان باختلافهما. وقد عاش الإنسان الأمرين معا، فصارع بعضه في فترات من التاريخ، وعايش بعضه الآخر في فترات أخرى، لكن الحرب لا تستمر إلى ما لا نهاية، فقد تنتهي مهما طال أمدها بالصلح وعقد المعاهدات ووضع القوانين التي تضمن لكل منهما حق العيش في أمن وأمان. ولعل هذا التعايش هو قيمة من قيم الإنسان الغريزية، فهو اجتماعي بطبعه، ويتحكم في هذه الغريزة بعقله الذي يميل إلى السلم والتساكن والتعايش.

الأحد، 16 يناير 2022

كلمة في حق ذ. مولاي المامون المريني بمناسبة تكريمه يوم الخميس 23-12-2021 علي المتقي

أيتها الشاهدات أيها الشهود:

صدق الشاعر الذي نصحني بقوله:

       نصحتُكَ لا تصحَبْ سِوى كُلِّ فاضِل   *   خَليقِ    السّجايا   بالتَّعفُّف والظَّرفِ

       ولا تَعتمِدْ    غيرَ   الكِرامِ    فواحِــــــــــــدٌ   *   منَ النّاسِ إنْ حصَّلْتَ خَيرٌ منَ الألفِ

    وأنا ألهث وراء غدي، وأسافر عبر ذبذبات الزمن بين أوصال محطات حياتي، وضع القدر في طريقي واحدا اعتقدت أنه الأفضل من الألف، هذا الواحد هو هذا الذي تشهدون له اليوم أمام الملأ، فتصفونه بالزميل والصديق والخل الوفي مولاي المامون المريني.

     وبين محطة الأمس ومحطة اليوم ما يزيد عن عشرين سنة ذقنا فيها ما ذقنا من فواكه الزمان حلوها ومرها، وها أنتم اليوم تطْلبون مني أن أكون من الشاهدين. والشهادة لا تكتم، "وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ"، وحتى لا أكون من هؤلاء الآثمةِ قلوبُهم، قررت أن أعطل عقلي وفكري وأمنح زمام لساني لقلبي ودمي، وأستسلم لذاكرة تبوح بما ترسخ فيها على مر الأعوام، لأن ما تأتي به عقولنا قد يكون آثما، وما تأتي به دماؤنا لا يكون إلا حقا، فالصدق مصباح يضيء شرايين الدماء فلا تخطئ مواطن اليقين في دهاليز القلوب.

         وأنا أتجول في أزقة الحي باحثا، قادتني إليه ضالةُ بحثي صدفةً دون سابق معرفة، توسمت في ملامحه خيرا،...

نظرة،،،

فتحية،،،

   فابتسامة،،،

فلقاءات أمست عادة تتكرر كل مساء لتنسج علاقة صداقة بين أثافي ثلاثة لا يستقيم قدرنا فوق اثنتين منها.

        أتأمل الآن هذه اللقاءات، كفراشات تتسابق نحو ضوء الذاكرة،،، تتلون بأحزاننا وأفراحنا. تحت ألوانها نصبتُ خيمة ألوذ بها كلما اشتد حر الهاجرة،،، على جنباتها عين ماء لا تنضب، وشجيرات نخيل تسّاقط علي دون أن أهزها رطبا جنيا.

       نمتطي مطايا القافلة نفسها لعقدين من الزمن، ننفخ معا في مزاميرها اللحن نفسه. نستظل بشجيرات الحب والصدق والوفاء التي زرعناها سويا في تربة المعرفة، فأينعتْ وأزهرت ثم أثمرت. كنتَ أنت أيها الصلبُ العنيد المبين جدعَها المتين، وكنتُ وريقة تبدو من بعيد خضراء يانعة تهزها الريح كلما هبت شرقيةً، فأجد في فروع الجدع الذي كنتَه وأغصانِه المتفرعة عنها مخبأ يحميني من صقيع شتائها، وظلا ظليلا يرد عني شواظ صيفها،... فكانت خطانا على امتداد الزمن العنيد جداول صافية يُسمع لحصاها رنينٌ نستلذه تارة، وتارة يكون لها أنين.... فتكون أنت أنت بلسمَ جرحِه ....فيتحول الأنين إلى حنين.  

       تبا لك أيها الكلام العاجز عن ترجمة ما تحمله القلوب من عواطف نبيله،.... تبا لك أيها اللسان العاجز عن النطق بالكلمات المستحيله،...... تبا لك إن لم ترم بعيّك، ...وتتسلل عبر شرايين القلب إلى مواطن الصدق.... لتترجم صليل الجداول ،،،  رقص السنابل ،،، غناء البلابل،،، إلى كلمات،.... تسترق السمع من الذكريات،،، فتبوح بها بجميع اللغات.،،، 

    أيها الصديق الذي كنتَ،.... ماذا تبقى عندك الآنَ،.... مما كانَ.... أما أنا.... أما أنا.... فأُشهد هؤلاء الأنام، أنك ستَظلُّ خلاًّ في ما بقي من ساعات أو أيام أو أعوام، أيهذا الشريف ....أيهذا الصديق.... أيُّهذا البريقُ الذي يلازم الغمام، هل تسمح لي بالكلام ؟....، لأقول في جملة ما لا تقوله المتون الطوال.

     أحذر من الكثير من الناس، وأنت من بين الذين أطمئن إليهم، فالبحث عنك رغبة،... والمجيئ إليك متعة،.... ولقاؤك ولوج في مراسيم المجيء إلى الصدق والحب والوفاء.

         منحتني، ونحن في منتصف العمر، في قلبك ملجأ، ومن روحك مطرحا. ونحن في الربع الأخير منه "خذني - كما شئتَ - جلي أو كلي..... فإن لم أقف الآن بقربك،.... فبئس الرديف أنا لظلك"..... فقد كنتَ وما زلتَ... ظلا في صحراء ، لا ظل فيها إلا ظلك ، أستظل به حين تغيب الظلال.

      لستُ شاعرا شيطانه ذكر يهيم في كل واد،..... لا ولا صاحب مصلحة له ألف قناع وقناع ما بين البياض والسواد...، أنا رجل جاء من اقصى هذا البلد الأمين ساعيا، ومن جاء من أقصى المدينة يسعى حقا لا يقول إلا صدقا. لقد وجدت فيك الزميل الصديق الرفيق الصبور السموح الصبوح. ولا غرو، فأنت اسم الفاعل والمفعول من الأمن، فأنت الأمين والمأمون. وكفى.