الأحد، 11 أغسطس 2013

كتاب المصطلح النقدي والبلاغي بين النظرية والتطبيق للدكتور عبد القادر حمدي : سؤال المصطلح و المنهج علي المتقي


                                                                              
                                                  




        كتاب المصطلح النقدي و البلاغي بين النظرية والتطبيق للدكتور عبد القادر حمدي كتاب من الحجم المتوسط يضم بين دفتيه 161 صفحة صدر سنة 2012 عن المكتبة الوطنية بمراكش. وهو في الأصل جزء من أطروحة جامعية نوقشت في أواخر العقد الأخير من القرن العشرين بكلية الآداب و العلوم الإنسانية بالجديدة  أعاد الباحث تقويمها بعد نقاش مستفيض لمختلف قضاياها مع طلبة ماستر الأدب العربي القديم في كلية الآداب و العلوم الإنسانية بمراكش.

     وعلى الرغم من عمومية العنوان وشموليته، فإن المؤلف حصر دراسته في كتاب واحد اتخذه متنا نموذجيا هو كتاب الطراز المتضمن لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز لمؤلفه يحيى بن حمزة العلوي اليمني (ت.749)
     يضم الكتاب بين دفتيه مقدمة وثلاث فصول، ....(وصف الكتاب)
وسأقتصر في هذه القراءة عند حدود قضايا أربع أثارتها  قراءتي لهذا الكتاب الممتع.
      القضية الأولى أثارها عنوان هذا البحث هي حدود التقاطع و التمايز بين المصطلح النقدي والمصطلح البلاغي. فالعنوان يعطف بين الكلمتين بحرف الواو مما يفيد أن المصطلح البلاغي ليس هو المصطلح النقدي. لكن المؤلف أشار في الصفحة الحادية  عشرة  إلى أن  عبد الرزاق أبو زيد في كتابه  : المصطلحات النقدية والبلاغية في كتاب الطراز يفصل فصلا تعسفيا غير مبرر بين ما يسميه مصطلحات بلاغية وبين ما يسميه مصطلحات نقدية . وهذا يفيد أن المصطلح البلاغي والمصطلح النقدي عند  المؤلف متداخلان متقاطعان، ومن الصعب الفصل بينهما إلا تعسفيا. وهذا يدفعنا إلى التساؤل عن طبيعة كل منهما. هل المصطلح البلاغي هو مصطلح نقدي أم هناك فرق بين البلاغة والنقد؟
    هذا التساؤل يتولد عنه تساؤل آخر حول تصنيف كتاب الطراز نفسه: هل هو كتاب نقدي أم كتاب بلاغي. العنوان يصنف الكتاب في  أسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز، ولا يشير إلى البعد النقدي. من هنا يحق لنا أن نتساءل عن مدى حضور النقد والمصطلح النقدي في كتاب الطراز. ومتى نسمي المصطلح بلاغيا ومتى نسميه مصطلحا نقديا. و هل المصطلحات الواردة في كتاب الطراز هي بالفعل مصطلحات نقدية على الرغم من أن المؤلف يحصر موضوع الكتاب  في أسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز.
   أسئلة  لم يتوقف عندها المؤلف عبد القادر حمدي وهو يشير إلى الفصل التعسفي بين مصطلحات الحقلين المعرفيين في كتاب الطراز .
    إن ما يثير هذا التساؤل هو كون المصطلحات البلاغية  مصطلحات مشتركة بين حقول معرفية متعددة فقد نظر لها البلاغيون، ووظفها النقاد والمفسرون والأصوليون وعلماء الكلام والمناطقة والفلاسفة. من هنا يمكن القول إن البلاغيين نظروا للمصطلح  وتقسيماته الفرعية، لكن عندما ينتقل هذا المصطلح من مجال العلم النظري البلاغي إلى مجال التطبيق النقدي، ويوظف توظيفا نقديا لمقاربة نص من النصوص يصير مصطلحا نقديا. فهل يمكن القول إن المصطلح في بعده النظري مصطلح بلاغي، لكن في بعده الإجرائي التطبيقي على النصوص يصير مصطلحا نقديا.
     إذا أخذنا بهذا الرأي كيف سنتعامل مع مصطلحات الطراز؟ هل هي مصطلحات  بلاغية إعجازية، أم مصطلحات نقدية؟ إن مقصدية الكتاب مقصدية بلاغية محضة وتطبيقاته حتى ولو استشهدت بنصوص أدبية دراسة تتوخى التنظير لأسرار البلاغة  وعلوم الإعجاز. وبذلك فالكتاب دراسة بلاغية إعجازية. 
     المسألة الثانية : تتعلق بأسئلة المؤلف ذ عبد القادر حمدي :إذ يصرح في الصفحة السابعة أن هذا الكتاب يندرج ضمن الدراسات التي تتوخى مراجعة  تراث العرب في البلاغة والنقد مراجعة علمية  من زوايا منهجية جديدة من شأنها أن تسهم في فهمه واستيعاب مضامينه الفكرية. وهو مشروع مهم وأساس سيعيد الحياة إلى هذه المصطلحات لتصير جزءا من ثقافتنا المعاصرة. والسؤال الحارق في هذا المشروع هو كيف يمكن لقراءتنا أن تكون علمية، وتكون قراءتنا جديدة ؟
     إن المراجعة العلمية والمنهجية الجديدة تقتضي كما يقول الجابري أن نقطع مع الفهم التراثي للتراث، فقراءتنا إما أن تكون معاصرة أو لا تكون، كما يقول محمد العمري ، أي أن نسائل التراث العربي أسئلة معاصرة وحارقة تجعله يحيا بيننا اليوم ويمتد في ثقافتنا المعاصرة. من هنا نتساءل مع القارئ عن أسئلة حمدي الحارقة التي ينبغي طرحها على المصطلح البلاغي التراثي .
   لا شك أن لحمدي أسئلته الصريحة والضمنية من بينها ما ورد في ص 9 يقول : إن الدراسة المصطلحية تسعى إلى ضبط  وتحديد الجهاز المفاهيمي الذي منه تتشكل الرؤية النقدية  والبلاغية، ذلك أنه على أساس الإمساك بمكونات هذا الجهاز الدلالية تنكشف دعائم المؤسسة النقدية  ومقوماتها، ومن ثمة يمكن تمييز هذا التصور النقدي عن الآخر.
   ويضيف متسائلا إذا كانت تلك غاية الدراسة الاصطلاحية فما هي طبيعتها وشروطها؟ و ماهي قدرتها على استيعاب المفاهيم وضبط التصورات، ثم ما جدواها في مواجهة الدراسات النقدية والبلاغية الأخرى؟ وهل يمكن الاستغناء بإحداها عن الأخرى؟ وما هي قيمة هذا النوع من الدراسات الاصطلاحية بالمقارنة مع الدراسات الفنية والجمالية و الأسلوبية  والنفسية والتاريخية و الاجتماعية  وغير ذلك من أوجه المقاربات الحديثة في ميدان النقد و التحليل ؟
    إن جدة الموضوع من جدة أسئلته ، فقد حدد الأستاذ حمدي لعمله غاية واضحة المعالم، وقيدها بحزمة من الأسئلة منها ما هو وصفي ومنها ماهو تقويمي. وهذا في حد ذاته عمل إيجابي، إذ نبدأ بالوصف العلمي الموضوعي للظاهرة ، ثم بعد ذلك نقوّم نتائج الوصف  ونغربلها لنبني بها الحاضر والمستقبل . و الملاحظ  من خلال وصف حمدي لخطواته الإجرائية في الصفحتين 13 و 14 أنه وقف عند مرحلة الوصف الموصوف بالدقة في التحديد والتحليل  ص15  موظفا ما أسماه بالمنهج الوصفي التحليلي. ولم يتضمن الكتاب إجابة عن السؤال الأخير الذي يمكن اعتباره السؤال الأكثر حرقة،  أي قيمة هذا النوع من الدراسات الاصطلاحية بالمقارنة  مع المقاربات الحديثة في ميدان النقد و التحليل. من الأكيد أن أي عمل تقويمي لا يمكن أن تتوفر شروط تحققه في غياب العمل الوصفي التاريخي التحليلي للمصطلح ، لكن لا يمكن الوقوف عند حدود الوصف دون أن ندفع بعملنا إلى أقصاه  خصوصا إذا كان الدرس البلاغي بمصطلحاته محكوما بخلفيات فكرية  وعقدية.

المسألة الثالثة:  تتعلق بمصادر صاحب الطراز ودورها في بلورة مشروعه الاصطلاحي: ينطلق المؤلف من تحديد العلوي مصادره في أربعة كتب وهي ص 83 :
المثل السائر لابن الأثير
كتاب التبيان  لابن الزملكاني 
كتاب النهاية  للرازي
كتاب المصباح  لابن سراج المالكي
 وقد فصل حمدي في علاقة كتاب الطراز بكل مصدر من هذه المصادر، قبل أن يدخل في نقاش مستفيض مع كثير من الدراسات المعاصرة ترى أن مصادر العلوي أوسع من هذه المصادر الأربعة مركزا على غياب أدلة تاريخية تثبت اطلاع العلوي على مصادر أخرى مستشهدا بقول العلوي: "ولم أطالع في الدواوين المؤلفة في علم البيان مع قلتها إلا كتبا أربعة: أولها  كتاب المثل السائر  ... وثانيها كتاب التبيان .. وثالثها كتاب النهاية  و رابعها كتاب المصباح ...:"
   في اعتقادي يجب التمييز بين نوعين من المصادر بالنسبة للعلوي. هناك مصادر بلاغية بيانية وهي التي حصرها العلوي في قوله. وقد فصل حمدي باقتدار ما استقاه العلوي من هذه المصادر، فقد عرض المصطلحات البلاغية التي وردت في هذه المصادر على راووق المنطق و العقل فانتقد و صحح  و حكم بالفساد و نوه بما خضع لأدواته العلمية .
النوع الثاني من المصادر الذي لم يشر إليه العلوي و لم يتساءل عنه حمدي هو  مصادره المنهجية التي يستقي منها منهجه العلمي الذي يقوّم به تعريفات مصادره البلاغية، و هي مصادر فلسفية ومنطقية و كلامية و أصولية. و قد أشار صاحب الطراز إلى ما وصلت إليه علوم أخرى من ضبط للمصطلح كالفقه والأصول والنحو....
      فهناك مقولات فلسفية وكلامية و أصولية استشهد بها العلوي و نظر بها لمقدماته. فهذه المقولات مقولات معروفة ومنتقاة من مصادر غير المصادر المذكورة التي لم توفق في وضع تعريفاتها. وهذه المصادر ألصق بالدراسة المصطلحية من المصادر البلاغية التي تحدث عنها العلوي لأنها هي التي يناقش بمقولاتها ما ورد في الكتب البلاغية الأخرى.
  المسألة الرابعة مسألة المنهج .أشار الأستاذ حمدي في الفصل الخاص بالمنهج إلى اتجاهات الدرس البلاغي العربي مصنفا  مصادره إلى مصادر ذات اتجاه أدبي ومصادر ذات اتجاه كلامي، وجعل  كتاب العلوي ضمن المصنفات التي جمعت بين الاتجاهين إذ مزج بين الاتجاه الكلامي و الاتجاه الأدبي. وما أريد أن أشير إليه هنا هو ضرورة  التمييز بين مستويين في المنهج : المنهج الذي اشتغل به على تعريف المصطلحات  والمنهج الذي اشتغل به على تحليل الشواهد البلاغية، فالأول لا يمكن أن يكون إلا فلسفيا منطقيا كلاميا أصوليا، وقد أشار الأستاذ حمدي في مبحث خاص بالفصل الأول إلى علاقة الفلسفة بالبلاغة عند العلوي، وهذه العلاقة لا يمكن أن نجدها في تحليلاته للشواهد البلاغية و إنما في التعريفات و التقسيمات و التفريعات و صناعة الحدود الاصطلاحية. يقول حمدي : ينطلق العلوي في صياغة مشروعه البلاغي الذي يرمي إلى تغيير صياغة التعامل مع المصطلحات البلاغية  من تصور معرفي يقوم على أساس أن اكتساب العلم  وتحقيق المعرفة بكون أحد الطرفين: فإما بالتصور وإما بالتصديق كما أن وسيلة تحصيل  المعرفة التصورية  هي الحدود  والتعريفات، بينما تتحقق  المعرفة  التصديقية  عن طريق البرهان والاستدلال.
     نفهم من هذا القول أن المنهج الاستدلالي كان حاضرا في التقسيمات و التفريعات و ضبط المصطلح في حين أن المناهج الأدبية المبنية على الذوق السليم و السليقة اللغوية تكون حاضرة بقوة في  المقاربة البلاغية للشواهد. وهو عمل مختلف عن العمل الأول الذي يتوخى من خلاله العلوي بناء المصطلح.
وهذا الجانب لم يكن خافيا على السكاكي ذي النزعة المنطقية أيضا، و الدليل على ذلك أن السكاكي في نهاية حديثه عن العلم المعاني أدرك أهمية الذوق و السليقة والطبع في  استيعاب الأساليب البلاغية إذ يقول: وبعد: فإن ملاك الأمر في علم المعاني هو الذوق السليم و الطبع المستقيم ومن لم يرزقهما فعليه بعلوم أخر، و إلا لم يخض بطائل مما تقدم وما تأخر.
      إذا لم تكن للمرء عين صحيحة    فلا غرو أن يرتاب والصبح مسفر .
إذن فالبلاغيون يميزون بين الجانب المنطقي والعلمي في وضع الحدود وذلك بالاستفادة من العلوم الشرعية و الأصولية  التي وصلت إلى قمة الضبط، وبين  الجانب الأدبي التطبيقي عندما يتعلق بالأمر بمقاربة الشواهد البلاغية.
هذه مجرد تساؤلات أثارتها في ذهني قراءتي لهذا الكتاب الممتع في المصطلح، وهي تساؤلات لا تغني عن قراءة الكتاب والاستفادة من ضبطه  الدقيق للمصطلحات البلاغية 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق