محاضرة
ألقيت على هامش مهرجان الشعر العربي بورزازت أبريل 2012
نسجل في البداية أن تسمية الربيع
الديموقراطي تسمية إعلامية محضة. والعلاقة بين الكتابة الإعلامية و الواقع ليست
دائما علاقة تطابق، فالإعلام أصبح السلاح الفتاك الذي يتم توظيفه لترسيخ
أنظمة و إسقاط أخرى. فهو الذي يصنع الواقع، وقد سمى ما جرى في واقعنا العربي
من المحيط إلى الخليج باسم الربيع الديموقراطي تارة، وباسم الثورة تارة أخرى على
الرغم من أن الكثير من الباحثين والأكاديميين يرفضون تسمية ما يجري في حاضرنا باسم
الثورة . لأن الثورة هي قيام الشعب بقيادة نخب وطلائع من مثقفيه
لتغيير نظام الحكم السياسي تغييرا جذريا يكون له تأثير اقتصادي و اجتماعي وثقافي
يؤدي بدوره إلى تغيير جذري في المجتمع يتنفس معه الناس هواء الحرية و الديموقراطية. ويخاف هؤلاء الباحثون أن يؤدي ما وقع إلى انتكاسة و
عودة إلى الوراء، وأن يجهز على ما تحقق على امتداد عقود بل قرون. ذلك أن ما
وقع في العالم العربي بدءا من تونس مرورا بمصر و ليبيا و اليمن وسوريا لم يكن
صادرا عن نخب سياسية لها مشروع سياسي بديل ومتكامل. بل كان مفاجئا لكل فئات
المجتمع العربي بدءا بالأنظمة مرورا بالطبقة السياسية المتجلية في الأحزاب و النخب
الثقافية وانتهاء بالحشود الجماهيرية. فلا أحد من هؤلاء كان يتصور أن يسقط أي نظام
من الأنظمة التي سقطت، أو كان له تصور واضح المعالم لما بعد سقوط هذه الأنظمة ،ولو
كان يتصور ذلك لكان الواقع غير الذي نحن عليه الآن.
كما اختلفنا كأنظمة و
كنخب وكحشود في تصورنا لهذا الربيع الذي أهل علينا من غير استئذان، اختلفنا أيضا
في تصورنا لنتائجه وانتظاراتنا منه. فالنخب السياسية استغلته على الرغم من ضعفها
لتحقيق مكاسب سياسية عبر التناوب على السلطة في ظل الأنظمة القائمة. والجماهير
ترى فيه حلا سحريا لمعضلة الفقر وما تراكم منذ عقود من مشاكل . والمعطلون يرون فيه حلا لمعضلة البطالة وتوفير مناصب
شغل جديدة. و النقابات ترى فيه فرصة لتحقيق مزيد من المكتسبات المادية والمعنوية.
و المفكرون ما زالوا صامتين مندهشين حائرين بين تبعيتهم للحشد بالمفهوم السلبي
للمصطلح في تمرده على الأنظمة، وبين تبعيتهم للأنظمة الحاكمة التي ما تزال
قوية. فأدونيس الشاعر الحداثي
المتمرد و الرافض لأي نظام ، ظل صامتا على الرغم من مرور أشهر على بداية انهيار
الأنظمة ، وعندما يرغم على الكلام يقول: ما أراه ليس ثورة ولا يمكن أن أكون معه .
وعبد الله العروي المفكر الحداثي التاريخاني الماركسي لا يساند حركة 20 فبراير .
أما بعض المثقفين في مصر المحروسة ممن كانوا يتربعون على عرش الثقافة المصرية،
فتوزعوا حسب رؤيتهم لمصالحهم بين مساندة النظام و بين مساندة ميدان التحرير.
فهذا جابر عصفور يأبى إلا أن يتولى منصب وزير الثقافة في آخر أيام عهد مبارك في
وقت كان ميدان التحرير لا يختلف في شيء عن ميدان الفتنة الكبرى التاريخية. وهذا
أحمد عبد المعطي حجازي الشيخ المحافظ الذي استأسد في عهد النظام السابق ضد قصيدة
النثر يأبى إلا أن يثور في وجه النظام ويصفه بالطغيان والاستبداد ويصدر ديوانا
أسماه طلل الوقت كتبت بعض نصوصه ثلاثة أيام بعد اندلاع
الثورة ، يعلن فيه أن الشعر عاد لمصر بعد عودة الروح الثورية إليها .
هذه التصورات كلها
أنضجُها على الإطلاق رأيان رأي أدونيس ورأي العروي.
فأدونيس قامة شعرية وفكرية وازنة لا
يمكن الحديث عن الثقافة العربية دون التوقف عندها، فقد ملأ الدنيا وشغل الناس عقودا
من الزمن، فأسس لفكر عربي حداثي سمته الرئيسة التمرد والرفض و الحداثة المطلقة
التي تهدم بمعولها كل شيء خارج الذات، الماضي بقيمه وثقافته ودينه، والحاضر
بأعرافه وقوانينه. وكان من الطبيعي أن يصدح صوته منذ بداية ما يصطلح عليه بالربيع
في تونس، ثم مصر ثم ليبيا ثم اليمن يضاف إلى ذلك الحراك الذي عم كل الدول العربية
من المحيط إلى الخليج، لكنه صمت ولم نقرأ له حرفا أو نسمع له صوتا. و لما اهتزت
سوريا بلد الشاعر الكبير ارتفعت الأصوات هنا وهناك في كل المدن السورية مطالبة
أدونيس بالكلام، و إعلان موقفه مما يجري على الساحة، لأن الغرابة كل الغرابة في
صمته خصوصا وأنه لم يصمت ذات زمن وأعلن مساندته للثورة الإيرانية ضد الشاه.
ولما أرغم
على الكلام اختار أن يتحدث نثرا وشعرا كعادته دائما، وقد أخذ كلامه النثري
شكل رسالة إلى الرئيس السوري بشار الأسد، وهي رسالة موجهة في الآن نفسه إلى الرأي
العام الذي طالبه بالكلام و إلى عموم المثقفين والمفكرين. وإلا ما كان ليختار
نشرها في مجلة السفير اللبنانية ذات الانتشار الواسع في الشام بدلا من توجيهها إلى
الديوان الرئاسي. وهي و إن كانت في ظاهرها رسالة سياسية ظرفية، فإنها صادرة
عن تصور فكري واضح. وقد أثارت هذه الرسالة نقاشا وجدلا لم يهدأ بعد، أجمع
المتدخلون فيه على عدم قبول هذا النوع من التدخل. لكن ما يمكن أن ألاحظه على كل
المتدخلين هو أن مواقفهم في مجملها كانت مواقف سياسية آنية تعيب على أدونيس عدم
وقوفه إلى جانب الشعب السوري. وهو نقاش سياسي محض لا يهمنا الآن بقدر ما يهمنا
الموقف الفكري الذي قرأ به أدونيس الحراك العربي عامة والسوري بشكل خاص.
أولا من السابق لأوانه أن يقوم
المفكرون هذا الحراك و يحللوه، فهو ما زال ساخنا، ونتائجه لم تتحقق بعد، و مستقبله
مازال ملتبسا. ولا بد من وجود مسافة فاصلة بين الحدث وبين المفكر حتى تكون قراءاته
وتحليلاته موضوعية وأكاديمية و علمية.
وكل القراءات الآنية هي قراءات أولية
لم تنضج بعد، و يمكن تعديلها حسب سياق الأحداث ومساراتها ونتائج الحراك.
أدونيس لم يتحدث
كسوري أو كعلوي أو كسياسي كما حاول بعض المنتقدين أن يقنعنا، وإنما تحدث كمفكر
وكشاعر، كان من اللازم أن يتحدث عن الموضوع من زاوية معينة, هي مأزق
الواقع السياسي السوري و أسباب الوقوع فيه وكيفية الخروج منه .
ينطلق أدونيس من المسلمات الثلاثة الآتية :
- لا يصدّق العقل ولا الواقع أنّ الديموقراطية سوف
تتحقق في سوريا، مباشرة بعد سقوط نظامها القائم. لكن بالمقابل، لا يصدق العقل ولا
الواقع أن يظلّ النظام العنفي الأمني في سوريا قائماً. وذلك هو المأزق.
- من
جهة، لا تنشأ الديموقراطية في سوريا، إلا بعد نضال طويل، وإلا ضمن شروطٍ ومبادئ لا
بدّ منها. لكن، لا بدّ من التأسيس لذلك، بدءا من الآن وليس غداً.
- من
جهة ثانية، بغير الديموقراطية، لن يكون هناك غير التراجع وصولاً إلى الهاوية. وما قيل عن سوريا ، يصدق على العالم العربي كله.
تنبني المسلمة الأولى على أن الديمقراطية ليست انتخابات نزيهة وتناوب النخب السياسية على السلطة، وإنما هي تربية وثقافة تكتسب على امتداد حياة بكاملها، بدءا من الأسرة إلى المدرسة إلى الشارع إلى الحزب والنقابة و القول بالاختلاف و المساواة ... وهذا ما لم يعرفه التاريخ العربي على طوله. فالديموقراطية ثقافيا خارج التراث الثقافي العربي.
تنبني المسلمة الأولى على أن الديمقراطية ليست انتخابات نزيهة وتناوب النخب السياسية على السلطة، وإنما هي تربية وثقافة تكتسب على امتداد حياة بكاملها، بدءا من الأسرة إلى المدرسة إلى الشارع إلى الحزب والنقابة و القول بالاختلاف و المساواة ... وهذا ما لم يعرفه التاريخ العربي على طوله. فالديموقراطية ثقافيا خارج التراث الثقافي العربي.
المسلمة الثانية يمكن التأسيس لها بدءا من الآن حتى لا نخلف موعدا آخر
مع التاريخ وذلك بمراعاة شروط آتية
- العلمانية أو ما أسماه أدونيس الخروج بالمجتمع، ثقافيّاً وسياسيّاً
من «زمن السماء الجمعي والإلهيّ»، إلى «زمن الأرض، الفرديّ والإنسانيّ». أو هو،
باللغة السياسية المدنية: الفصل الكامل بين ما هو دينيّ وما هو سياسيّ واجتماعيّ
وثقافيّ. وقد ناضل من أجل ذلك، منذ القرون الأولى لتأسيس الدولة الإسلامية
العربية حتى اليوم مفكرون وشعراء عرب كثيرون، غير أنهم لم يفشلوا فقط وإنما
سُفّهوا وكُفّروا وقُتلوا، تبعاً للوضع وللمرحلة التاريخية. كان الدين المؤسّسي هو
الذي غلب ولا يزال يغلب. والمزج بين الدينيّ والسياسيّ لا يزال قاعدة النظر والعمل
في الحياة الإسلامية ـ العربية. وهو مزجٌ شهدنا
ونشهد رسوخه وآثاره المدمّرة، كلّ يوم، وفي مختلف المجالات. إنه قاعدةٌ يُقتَل
فيها الإنسان شرعاً: أحياناً يُقتَل فكراً، وأحياناً يُقتَل جسداً، من أجل «النص»
أو تأويلٍ معيَّن للنص.
فالديموقراطية فيما يرى أدونيس لا يمكن أن
تتأسس في مناخ لا يقيم وزنا لحرية الفرد و للتجربة الإنسانية ، ولا يقول بالاختلاف
وأقصى ما يدعو إليه في تعامله مع الآخر هو التسامح بما يفيده من صحة رأيه وبطلان
رأي الآخر. والديموقراطية لا تقبل إلا بالمساواة و هو الذي لم يتحقق من قبل ولن
يتحقق آنيا .
إن العلمانية فيما يرى أدونيس ستذيب الكثير من الإشكالات المعقدة التي
يعيش فيها العالم العربي وأهمها الطائفية و العرقية والمذهبية . فالدين لله والوطن
للجميع.
"وهذا ما لم يفعله – يقول أدونيس -حزب
البعث العربي الاشتراكيّ الحاكم في سوريا والذي ينتمي إليه بشار الأسد، كما كان
منتَظَراً، وهو الذي قاد البلاد، منذ حوالي نصف قرن. على العكس، لبس الثوب القديم:
هيمن على حلبة «اللعب» القديم، وساس وقاد المجتمع السوري بالعقلية القديمة،
متبنياً سياقها الثقافيّ ـ الاجتماعيّ. فتحوّل بالممارسة إلى حزب شبه «عنصريّ»، في
كلّ ما يتعلّق بالإثنيات غير العربية، وبخاصة الأكراد. وفي هذا كله أصبح حزباً
ذا بنية دينية: كما أنّ الانتماء إلى الإسلام امتياز فكريّ ـ إنسانيّ، في
النظرة السلفيّة، فإنّ الانتماء إلى حزب البعث كان امتيازاً، هو أيضاً، فكريّاً ـ
وإنسانياً، على الصعيد النظريّ، وامتيازاً سياسيّاً وظيفيّاً وتجاريّاً، على
الصعيد العمليّ. وهكذا أخذ الحزب يناضل لكي يُدخِل المجتمع في «دينه» هو، بدلاً من
أن يناضل لكي يحرّر المجتمع من التديّن ـ المؤسَّسيّ، ويقيم مجتمع المواطنة، حيث
لا فضل لأحد على الآخر بدينه أو بحزبيّته بل بعمله وكفاءته."
إن حزب البعث العربي الاشتراكي تأسس و نشأ في ستينيات القرن الماضي ،
فكان جزءا من مشروع قادته الأحزاب الاشتراكية والشيوعية في العالم العربي، فقد
آمنت بالحزب الواحد ، وحكمت المجتمع بقبضة الحديد و النار، و اتهمت معارضيها
بالخيانة والعمالة . وهذه الطريقة فيما يرى أدونيس لا يمكن أن تدوم إلا فترة محددة
. وما يمكن أن يدوم هو الحرية ولا أمن في الأخير إلا بالحرية.
يرى أدونيس أن هذا
الحزب الذي كان حاملا لواء العلمانية لم يكن مسؤلووه في مستوى تطلعاته، بل كان
حزبا تقليديا سلفيا متطرفا ومتزمتا مما أدى بمعارضيه باسم الطائفية والعشائرية
والمذهبية أن تقف في وجهه. لذلك فهو لم يقدم للبلد غير الدمار والجهل
والأمية و القبضة الحديدية .
يقول أدونيس :
"لقد كان أشبه بجمعية «دينية»: عرقل نموّ الثقافة المدنية الحرة، ودمّر أخلاق
البشر، مقيماً الثقافة على الولاء له، وعلى معاداة أعدائه، وعلى الشعارات
والتبشيرات التي كانت في معظمها ساذجة وسطحية."
الشرط الثاني
- سمو
المواطنة على الفرقة الطائفية و القبلية و الإثنية، وتنفيذ الأجندات
الخارجية.
الشرط الثالث
- حق
الاعتراف بالآخر رجلا كان أم امرأة بوصفه عضوا في المجتمع له ما لك من حريات وحقوق.
هل تحقق هذا في ما تدعو إليه المعارضة ؟
يرى أدونيس أن ما اصطلح عليه بالمعارضة أصوات لها وجهة نظر و تطلعات
قد تكون نبيلة و عادلة لكن دون وجود وثيقة تنظم أفكارها و توضح أهدافها لما
بعد سقوط النظام ، و بذلك ظلت أصواتها مجرد أصوات مثالية و أخلاقية لا
تدخل في شبكة الواقع العملي. و يغلب على أفعالها صفات التحريض و التهييج و
العنف و القتل و الثأر و الطائفية و السلفية. و الغلبة في هذه الحالة تكون للأكثر
تنظيما و الأكثر عدة وعددا.و يكون العمل في مستوى الفكر الذي وجهه.
لذا فمن واجب المعارضة أن يكون لها تصور للحكم و تداول
على السلطة و الآليات التي تسوغ للمحكوم أن يقول رأيه في الحكم .و أن يكون لها
مشروع واضح في السياسةو التربية و التعليم و الاقتصاد و الثقافة و في الحياة
المدنية .
و في غياب كل هذا لا يمكن لمعارضة أن تحقق على أرض الواقع
الديموقراطية التي تدعو إليه.
نستشف من كل هذا أن أدونيس لا يؤمن إلا بالثورة المخطط لها الصادرة عن
وعي وذات خلفيات فكرية وفلسفية ينبثق عنها مشروع واضح يقرأ الواقع و يتجاوز كل
معيقات التقدم و التنمية . و هذا ما لم يتحقق في الربيع الديموقراطي العربي من
محيطه إلى خليجه . وقد أضاف أدونيس في حوار مع قناة دبي الفضائية أنه ضد الثورات
العربية لأنها بدلا من أن تخرج من الجامعات خرجت من الجامع .و كل ثورة تخرج من
الجامع تكون ذات نزعة دينية تقصي حق الاختلاف و حق المساواة . و أقصى ما
يمكن أن تمنحه هو التسامح . و المواطنون يريدون المساواة .
إن أدونيس في فكره هذا ظل وفيا لتصوره
الفكري الحداثي الذي حمله منذ الخمسينيات، فهو يؤمن بالهدم أولا و البناء
ثانيا . ينتقد الواقع و يبحث في ماضيه عن أسباب وجوده ويقترح البديل . و لا يختلف
تصوره اليوم في رسالته الشهيرة عن موقفه بعد هزيمة 67 ففي الشهر الموالي للهزيمة
أصدرت مجلة الآداب عددا خاصا يتضمن تحليل الهزيمة، أسبابها و شروط تجاوزها . وقد
كانت الهزيمة مفاجئة تماما مثل هزات الربيع الديموقراطي. فكان أن كتب أدونيس
مقالا مطولا ينتقد فيه واقع الهزيمة ويدعو إلى مبادء ثلاثة : الإبداع الحرية
التغير وهي نفس المبادئ الكبرى التي تبشر بها الحداثة منذ الخمسينيات وما زال
أدونيس يحمل شعارها مما دفع بأحد الباحثين الشباب إلى القول : إن أدونيس ليس مفكر
المرحلة إنه يفكر بعقلية الخمسينيات في الألفية الثالثة . فهو يقلب أوراقه بحثا عن
أجوبة جاهزة و لا ينظر إلى الأرض و إلى الواقع .
عبد الله العروي
على خلاف أدونيس نجد المفكر و المؤرخ المغربي الأستاذ
عبد الله العروي يغير أفكاره وآراءه بتغير الشروط التاريخية التي أفرزتها . فبين
1969 تاريخ تأليف كتاب تاريخ المغرب وبين اليوم جرت مياه كثيرة تحت
الجسر غيرت مسار الأحداث ونتائجها فكان طبيعيا في نظره أن تتغير
أفكاره و آراؤه .
إن العروي يؤمن بأن التقويم والحكم على الأحداث ينبغي أن يتم بناء على
ما تستحقه، وليس بناء على
النتائج الافتراضية التي ستنتج ولا شك الاختيارات المفضلة لدينا في
حين أن الأحداث تأخذ مجراها.
ويؤكد العروي رأيه بذهابه إلى أنه على الرغم من صعود الحركات
الإسلامية في المغرب الكبير فإنها تختلف في واقعها، فكل واحدة تعمل وتتصرف حسب
شروطها ووضعها في إطارها الوطني . فهو لا يرى أي شيء إسلامي إلى حد الآن في أداء
الحكومة الإسلامية المغربية . والحكم عليها لا يمكن أن يكون بناء على أقوالها
ووعودها وتصوراتها في الماضي كمعارضة ، وإنما بناء على أدائها على أرض
الواقع . وهذا الرأي يجعل العروي يقبل بالاختلاف على خلاف أدونيس الذي يحاكم
الأقوال والتصورات و يرفض ثورة تخرج من الجامع.
وقد استفاد العروي في بنائه لهذا الحكم ، من تجربة التناوب والخطأ في
الحكم عليها قبلا ، ناسين أو متناسين أنها حكومة ائتلاف بين الإسلاميين وبين
غيرهم من الأحزاب الأخرى . من هنا كان من الواجب الحكم على التجربة من الواقع لا
من التصورات.
من الأفكار التي خلص إليها العروي ويتقاطع فيها مع أدونيس هو أن
التحول يجب أن يكون من داخل الدولة . فهو يؤمن بالملكية الدستورية كمؤسسة ضامنة
لوحدة المغرب وفاصلة للدين عن السياسة .فالملك يجب أن يهتم بالأسئلة الدينية
لتفادي استئثار أحد آخر بها فيتم تحريف اللعبة السياسية .
يضاف إلى ذلك أن الدولة تاريخيا هي التي تصنع الحدث التاريخي. صحيح إن
الحركات الشبابية من المحيط على الخليج خرجت إلى الشارع فأسقطت أنظمة وأسرعت
بالإصلاح في باقي الإنظمة الأخرى لكن الذي كتب الوثائق الدستورية الجديدة التي
سيدرسها المؤرخون القادمون هي الدولة، والذي سيتحكم في مسار الأحداث فيما بعد بعد
إرساء هياكل الدولة هي هذه الوثائق الرسمية .فمؤرخو الثورة الفرنسية يؤكدون
على دور الحشد ودور تجمعات الأحياء، لكنهم يتوقفون عند الوثيقة الدستورية وأثرها
في التحول في حين أن كلام الحشد ذهب في مهب ريح التاريخ.
يؤكد عبد الله العروي في آخر حوار له أنه لو طلب منه اليوم كتابة تاريخ المغرب الكبير فإنه سيرفض،
وسيكتفي بالكتابة عن المغرب وحده، تاركا للآخرين أن يتحدثوا عن بلدانهم.هذا التحول من حلم بناء المغرب الكبير إلى
الاكتفاء بالدولة القطرية راجع إلى الوعي بالخلط بين تجانس النخبة و
تجانس الشعوب . هذا ما وقع في أوروبا أيضا فخطب النخب السياسية الأوروبية أصبح
مطعونا فيها فيه في كل مكان . يضاف إلى ذلك الفرق بين نسبة الأمية في الستينيات
واليوم ، فكلما انتشرت الأمية ما يفوق 70/ يبدو البلد أكثر استقرارا و أكثر
انسجاما ، كما يكبر الحلم بفكرة الوحدة وتنتشر . في حين أن انخفاض الأمية يزيد من الوعي بالدولة
القطرية التي أصبحت أكثر هيكلة وأكثر تنظيما. وبذلك فالسياق الذي كتب فيه
تاريخ المغرب الكبير تغير اليوم ولم يعد ممكنا القول بالأفكار نفسها.
إذا تجاوزنا الآن الفكر و التاريخ إلى الإبداع نجد أنفسنا أمام علاقة
أخرى تماما . إنها علاقة الشعري بالسياسي.أي علاقة بينهما ؟
يمكن أن نميز بين ثلاثة أنواع على الأقل :
1 - نوع يتخذ من السياسة موضوعا للشعر مثل
أحمد مطر وتوفيق زياد وسميح القاسم ونزار قباني ومظفر النواب و أحمد فؤاد
نجم وغيرهم ....
فالجوهر الأصيل للإنسان عند هذا الاتجاه
يكمن في علاقته الموضوعية بواقعه الاجتماعي والتاريخي، أما عزله كذات فردية فعمل
فيه تعسف وافتعال، بل هو موقف مريض بجانب الوضع السليم لطبيعة الأمور. ذلك أن
القول بإطلاقية الفعل والحرية، هو إغفال لقوانين الفعل وحدود هذه الحرية، ووضع حد
للتطور الإنساني في حدوده الاجتماعية. ففلسفة هذا الاتجاه " تعكس إيمانه
بالعلم وقوانينه الموضوعية، واحترامه للتاريخ الإنساني الجليل الحافل بالجهود
والانتصارات والقيم، والكفاح المظفر ضد قوى الاستعمار والرجعية . فالشعر المصري في
ما يرى محمود أمين العالم نشأ من عمليات المقاومة والكفاح من أجل بناء قوميتنا
العربية ، لذا لن يكون إلا شعرا مفعما بالأمل والحياة والكفاح المستمر.
2-
نوع أخر حداثي يجعل من الشعر السياسي شعرا مناسباتيا يموت بانتهاء الثورة في حين
أن الشعر الحق هو الشعر الخالد . هذا الشعر الذي يدعو إلى التمرد والحرية والإبداع
على مستوى اللغة . أي أن يعيش الحرية لا أن يتحدث عنها . فيصير الشاعر حرا فردانيا
لا يخضع لأي تصور قبلي . فالعداوة بينه وبين المجتمع عداوة أبدية . فالشعر عند هذا
الاتجاه شعر رؤيا. أي كشف عن عالم يظل في حاجة إلى
الكشف بواسطة الحدس والتخييل والحلم. إنه إدراك ذاتي إلى أقصى درجة، وتجاوز
للمعرفة المشتركة، معرفة العقل والمنطق والحواس، واستغراق كلي في عالم الذات.
3- النوع
الثالث وألأخير يجمع بين
النوعين الأول و الثاني . فالشاعر
عند هذا الاتجاه يدرك موضوعه الخارجي إدراكا
ذاتيا يخرجه من المألوف والشائع ويضفي عليه صفة الغرابة والتعجب والاندهاش .
موقفنا من الشعر الحديث الصادر عن الربيع الديموقراطي رهين بموقفنا من
مفهوم الشعر ووظيفته . فإن كنا نؤمن بأن الشعر الحق هو ما يراه الاتجاه الأول،
فسنقف موقفا إيجابيا من عشرات بل مئات النصوص التي كتبت في الميادين و الساحات
العمومية و ألقيت على الجماهير وكانت لها وظيفة تحريضية . مثل قصيدة الميدان
للأبنودي وشعر أحمد فؤاد نجم وهشام الجخ وغيرهم . وخير من يمثل هذا الاتجاه
من الشعراء الرواد أحمد عبد المعطي حجازي في بعض قصائد ديوانه طلل الوقت .
و إذا كنا من يؤمن بالتصور الحداثي الرافض لأي وظيفة
تحريضية للشعر، فسنرفض كل هذا الشعر على أساس أنه شعر مناسبات وقد نجد
ذاتنا في قصيدة أدونيس.
وإذا كنا ممن يؤمن بالمفهوم الثالث ، فيحتاج الأمر
إلى وقت يخرج الشاعر المتلقي من ثوب الراصد للحدث الساخن و فورانه إلى ثوب المتلقي
المتأني الهاضم للحدث و إبقائه في المخيلة الشعرية لأطول وقت ممكن حتى يخرج في
صورة شعرية خاطفة مكثفة تؤطر الواقع بالمجاز . وقد نجد في بعض قصائد الشاعر محمد
علي شمس الدين بعضا من هذا الشعر .
لنتأمل بعضا من هذه النصوص
القصيدة الأولى إرادة الحياة لأحمد عبد المعطي حجازي
«إذا الشعب يوماً
أراد الحياة»
فلابد أن يتحرر من خوفه
ويحمل فى كفه روحَهُ
ويسير بها مُوغِلاَ في الخَطَر
إلى أن يستجيبَ القَدَر!
إذا الشعبُ يوماً أراد الحياة
فلابد أن يستردّ مدينتَهُ
بعد أن أصبحت للمَمَاليك من أهلها
شركس وتَتَر
صيارفة وسماسرة
ينصبُون موائدَهُم في شوارعها،
وحدائقها،
ولصوص يسكون عملتهم في مساجدها، وكنائسها
يملكون السّمَاء وما خلفها،
والهَواَءَ
ويحتكرون النهَر!
«إذا الشعب يوماً أراد الحياة
فلابد أن يستجيب القَدَرْ»
وها هو يومٌ يمر، وعام،
وجيلٌ، وجيل
ولم يستجبْ أحدٌ بعد للشعب
لم يتمَلْمَل حَجَر
ولم يأتنا عن غد نبأٌ أو دليل
وقد مر يومٌ،وعامٌ،
وجيلٌ، وجيل
وما أمطرتنا سماءٌ،
ولا فاضَ في مصر نيل!
إذا الشعب يوما أراد الحياة
فلا بد أن يسقط الطاغيه
لأن الطغاة هم رسل الموت فينا
وخدامه المخلصون
وضربته القاضيه.
و إن الحياة
تموت إن لم تكن حرة
هواء الزنازين سم زعاف
وورد الحديقة يذبل في الآنيه.
فلابد أن نسترد شجاعتَنا
وننادي جماعتَنا
ونسير بأمواجنا العاتيه
إلى الطاغية.
نطالبه بالمقابل عن كل ما عرفته البلاد
من الجوع، والقهر في ظلّه، والهَوَان
أن يعيدَ الذي مات حياً،
ومن خافَ يشفيه من خوفه
ويعيد إليه الأمان
وما سفحته العيون من الدمع يجمعه دمعة دمعة،
ويرد الزمانَ إلى حيث كان
إذا الشعب يوماً أراد الحياة
فلابد من أن يقوم العبيد
قيامَتَهم
يصبرون على عَضّةِ الجُوع
لكن على عَضّة القَيْد لا يصْبرون.
يموتون في أوّل الليل
إن كان لابد من أن يموتوا
لأنهم سيقُومون في مطْلَع الفَجْر
كي يولَدُوا في غدٍ من جديد!
فَيَا أيها الميّتون انهَضُوا
أيّها الفقراء الأرقّاء قوموا قيامَتَكُمْ
أيّها الساكنون اللحود
فقد طالما انتظرتْكُم حَيَاةٌ مؤجّلة
وشُمُوسٌ بلا عدد لم تروها
ومرت عليكم عصورٌ، وأنتم رقود!
إذا الشعب يوماً أراد الحياة
فلابد أن يتحرش بالموت
أن يُنزل الموتَ من عرشِهِ
حيث يلقاه في طُرقات المدينة وجهاً لوجهٍ
ينازله إنْ أرادَ النزال
فيغلبهُ
ويجادله إن دعا للجدال
فيُسقِط حجتَه
ويدغدغ لحْيَته، ويقصْقِص من ريشِه!
لا تخافوا من الموت،
فالموت ليس سوى أن تخافوا من الموت
يغلبكم واحداً واحدا
فإذا ما اجتمعتم عليه مضى خاسراً
يتخبّط في الطرقات،
ويهوي صريعا على رفشه
إذا الشعب يوما أراد الحياة
فلا بد أن يتعلم كيف يعيش الحياة
بأفراحها و أتراحها
كيف يقطف وردتها
ويفض بكارتها
ويغالب فيها أساه
كيف يفرح فيها ويمرح
يبكي ويضحك منها ومن نفسه
كيف يخرج من أمسه
كل يوم إلى غده
ويُغِذ خطاه
إذا الشعب يوماً أراد الحياة
فلابد أن يتعلّم كيف يغنى
ويرقص ، فالأرض تهتز في وقع أقدامه
ويشب على ظله ، ويطول السّمَاء
وكيف يحبُّ الرجَالَ النساء
ولابد للشعب أن يزرَعَ القمح،
فالقمحُ في رَحِمِ الأرض بذرتنا
ودليلُ قرابَتِنا
وهو جسمٌ ورُوحٌ، وخُبْزٌ ومَاء
شرايين خضراء يمشي دمُ الأرض فيها
وتمشي دماءُ البَشَر
ولابد في الأرض من كَرْمة
نستظل بها في النهار
ونرضَعُ من ثَدَيها في المساء
ونرضَعُ من ثَدَيها في السحر
ولابد للشعب أن ينتصر!
إن تاريخ كتابة هذا النص هو 28-1-
2011 أي ثلاثة أيام على ثورة 25 يناير. و هو نص تحريضي سياسي يتماها
مع الخطاب السياسي ، ولا يختلف معه إلا بالوزن والقافية . وهذا ما حدا
بالشاعر الناقد رفعت سلام إلى القول عن هذا الديوان بما فيه هذا النص :
" قصائد تطغى فيها المباشرة على كل شيء،
ويجتاح الانفعال النص بلا اعتبار، ويعلو الشعار السياسي فيسحق «الشعري» تحت وطأته.
لا شعر، بل هي الأفكار والانفعالات موزونة تفعيلياً بما يوهم بالشعر: «وَلَقَد آنَ
يَا مِصرُ، يَا غَالِيَة!/ أَن تَستَعِيدِي شَبَابَكِ، أَن تُولَدِي مَرَّةً
ثَانِيَة/ آنَ أَن يَسقُطَ العَبدُ فِيكِ، وَأَن تَسقُطَ الجَارِيَة/ لِكَي
يَسقُطَ الطَّاغِيَة!». كأنها مقاطع من بيان تحريضي سياسي، أو إعلان لمبادئ مناهضة
للاستبداد، لم يستطع فيها «الشاعر الكبير» أن يضبط انفعاله أو يُحكم السيطرة عليه،
ليقدم ما لا يقل - في المستوى الفني، على الأقل - عن قصائد ما قبل الثورة. هي
قصائد «المناسبة» التي أراد الشاعر أن يمسك فيها باللحظة قبل عبورها، أو ربما أراد
إثبات حضوره «الشعري» فيها، قبل أن يرصد بعض غيابه، ويقوموا بتأويله التأويل
السياسي «السلبي".
خارج القصيدة : القصيدة تمثل تعبيراً متفاوتاً عن «رؤية فكرية»، وموقف سياسي، لا
تتحقق أو تكتمل في ذاتها، بل خارجها. فبنيتها منبرية، خطابية، حيث «الأنا» هي
المتنبّئ، أو العرَّاف، أو منشد القبيلة، أو المحرض السياسي، أو هُم جميعاً، أو
بعضهم. و «الآخرون» هم الجمهور المتلقي للوحي أو العرافة أو التحريض. علاقة ثنائية
ذات اتجاه وبُعد واحد. فما تنطق به «الأنا» (القصيدة) مرهون - في اكتماله وتحققه -
بـ «الآخرين.
وأداة التواصل والتوصيل هي «الوزن» (التفعيلة) والقافية المتراوحة
(تلك الثنائية الناجمة عن شعرية الخمسينات والستينات العربية الماضية). فالوزن
المتسلسل المتناغم يضمن انضباط الحركة النفسية لعملية التلقي الجمعية في الاتجاه
المراد، فيما تمثل القافية فرصة لالتقاط الأنفاس (لدى الشاعر والمتلقين معاً)،
وتنظيم عملية صوغ المعنى وتلقيه. والهدف: دفع المتلقين إلى التوحد بالشاعر/
المتنبّئ، العراف، منشد القبيلة، المحرض.
هي نفس آليات إنتاج القصيدة المعتمدة لدى حجازي - بلا تغيير أو تطوير
- على مدى مسيرته الشعرية. فالديوان
الجديد لحجازي - «طلل الوقت» - بلا جديد، على الصعيد الشعري، الإبداعي. هو - على
نحوٍ ما - إعادة إنتاج لسابقه «أشجار الإسمنت»، على الأقل، على رغم أن الفاصل
الزمني بينهما يقارب ربع القرن، ليصلح الديوانان أن يكونا عملاً شعرياً واحداً بلا
انقسام.
وهذا الرأي هو الذي دفع محمود درويش إلى التنكر للكثير من أعماله
الشعرية ، لأنها ذات طبعة سياسية تحريضية أكثر منه شعرية .ويضيف : القصيدة السياسية لا تعني لي اليوم أكثر من خطبة
وأرفض حصري بشعر القضية.
النموذج الثاني لأدونيس : عزف منفرد على قيثار دمشقي :
1 - ياسمين
ليس للياسمين الدمشقيّ نَابٌ
ولا خوذةٌ.
أُتركوه لأحلامهِ ولأشـــواقهِ وللـــعاشقينْ.
أُتْركوا للِشّموع التي تتقطَّرُ من عِطْرهِ
أن تُبَعْثِرَ هَالاتها أَلَقاً وافتتاناً على طُرقِ المارقينْ.
2 - أسوار
منذ خمسين عاماً،
أَتقصَّى المتاريسَ، أَقرأُ أَسْوارَها وأَنْفاقَها
وَأرى كيف يُقْذَفُ بالنّاسِ فيها.
وأقولُ: مَتى تَمَّحي
وَيمضي إلى الله أصحابُها
وحُرّاسُها؟
منذ خمسين عاماً
لم أكنْ أتساءَل إلاّ:
كيف أزرعُ ورداً على باب بَيتي؟
3 - الجحيم النّعيم
الجحيمُ النَّعيمُ هنا في وريدكَ،
في شريانِكَ، لا فُرْقَةٌ ولا شُرْكةٌ.
فلماذا، بِحَقّ التُّرابِ وميراثهِ، وَبِحَقّ الهواءْ
لا تُريد السمَّاءُ لِجسمك أن يتحرّرَ مِن أَسْرِهِ،
وأَن يلبَس الفضاءْ؟
4 - عُطلة
لا أُحِّدث عن واحدٍ يثور،
على رأسهِ مَلاَكٌ.
لا أُحدّث عن رايةٍ أو هُتَافٍ
لِدَمٍ، أَوْ رَصاصٍ.
5 - غناء
ألمح الحُزْنَ في الشّام، يأخذُ قيثارَهُ
ويغني بلا كلماتِ.
6 - جوع
كلّما خرَج الشُهداءُ جِيَاعاً إلى اللهِ،
حَتّى يُزيّنَ أفواههم،
بِملاعقَ مِن فِضَّةٍ،
خرح الجوعُ في الأرض، يبكي،
ويندبُ أَحْوالَهُ.
7- نخلة
يَدّعي
أنّه عاشقٌ نخلةً
لم تَجئ مِن مُتُونِ البساتينِ،
أو مِن كتاب الفصولْ.
قال: فيها سِهَامٌ
تُصيب القلوبَ،
وتنزلُ فيها كوحيٍ.
نَخْلةٌ ليس في جِذْعها الآنَ غيرُ الطُّلولْ.
8 - شِباك
تَهبطُ المدنُ العربيّةُ في سُلّم
وتصعدُ في سُلَّمٍ:
خطواتٌ - حقولٌ
بلا زارعٍ، ولا سَائِسٍ.
خطواتٌ - شَوارِعُ مَسْدودةٌ.
أيّهذا الهَواءُ النقيُّ الذي يُوقِظ الأفْقَ
مِن نَوْمِه،
قُلْ لهـذي المدائنِ: أَلقي شــِبَاكَ الهجوم
على الظُّلماتِ، على الخَوْفِ،
وَامْتَزجي بالفضاءْ.
قُلْ لها، أيّهذا الهَواءْ.
9 - حلم مشتَرك
عسَلٌ في جِرَار الشّوارعِ للمتْعبَينْ
والثّواني قنابِلُ موقوتَةٌ
تَتَنقّل مَرْسُومةً
بأشكالِ رَقْصٍ،
بِمُغنّين أصواتُهم
تَتَنزَّلُ مَنّاً وسَلْوَى.
عَسلُ السَّائرينَ إلى أرض أحلامهم،
عَسلُ الَّرافضينْ.
10- رقابة
مَا لِجسْمي يُراقِبُ جسْمي؟
ودرُوبي إليهِ،
كُلَّ يَوْمٍ تُغَيّرُ أَقفالُها
ومَفَاتيحُها.
11 - تراب
لا تُسدِّدْ رَصاصَكَ نَحْويَ، لستُ العدوَّ،
وهذي حَياتي
خُطواتٌ ثِقَالٌ بِطَاءٌ
على دَرَجٍ من عَذَابْ.
وأقولُ: دَمي عاشِقٌ
وجسميَ يَضْنى،
وَلاَ حُبَّ لي غيرُ هذا التُّرَابْ.
12 - تساؤل
لَنْ تُحِبّوا، إذا لم تَثُوروا،
أَوْ، كما قيِلَ: ثُوروا، تُحِبّوا.
فَلِماذا، إذاً، لا تَرونَ المدينةَ إِلا
شمعةً مُطْفأَهْ؟
ولماذا، إذاً، تكرزونَ:
الحيَاةُ غرابٌ،
والظّلامُ امْرأهْ؟
13 - احتفاء
لِلحقولِ التي تَتنزّه فيها الشآمُ،
لأِحزانِها وصَعَاليكها،
لِشقائقِ نُعْماَنِها،
وَلِشــمسٍ تجـــيءُ إليها لِتَبْرُد أحشاؤُها،
أَنْتمي الآنَ- كَفّايَ مَمْدودتانِ، وصَدْري
جَبَلٌ ضارِبٌ في الفَضاءْ،
غِبطةً، وَاحتِفاءْ.
14 - حزن
وردةٌ وكتابٌ
يبكيانِ على قبْر طِفْلٍ.
15 - استعادة
مَا الذّي تقرأُ اللاذقيةُ،
ماذا تقولُ لِجيرانِها وجَاراتِها؟
وَجــْهُهَا »ضَجّةٌ«، كما قال عنها المَعرّي.
أَتُرَاها الحياةُ التي تَتَلأْلأُ فيها
تُقَادُ إلى هُوّةٍ، من جديدٍ؟
مَن جَديدٍ، يقولُ المَعرّي:
«سَأُسمّي حياتيَ موتاً
وأَسْأَلُ مِنْ أوّلٍ:
ما الصَّحيحُ»؟
القناديلُ تُطْفَأُ، والأرضُ مخنوقَةٌ.
16 - استضاءة
أَستَضيءُ بِأرضي
بالرّياحِ وآهاتِها،
وأَسأَلُ في حيرةٍ:
«تُرانيَ حرٌّ؟ ولكن
مَنْ يؤكّد أَنِّي أرَى
وَأَنّيَ حرٌّ؟».
1 - ياسمين
ليس للياسمين الدمشقيّ نَابٌ
ولا خوذةٌ.
أُتركوه لأحلامهِ ولأشـــواقهِ وللـــعاشقينْ.
أُتْركوا للِشّموع التي تتقطَّرُ من عِطْرهِ
أن تُبَعْثِرَ هَالاتها أَلَقاً وافتتاناً على طُرقِ المارقينْ.
2 - أسوار
منذ خمسين عاماً،
أَتقصَّى المتاريسَ، أَقرأُ أَسْوارَها وأَنْفاقَها
وَأرى كيف يُقْذَفُ بالنّاسِ فيها.
وأقولُ: مَتى تَمَّحي
وَيمضي إلى الله أصحابُها
وحُرّاسُها؟
منذ خمسين عاماً
لم أكنْ أتساءَل إلاّ:
كيف أزرعُ ورداً على باب بَيتي؟
3 - الجحيم النّعيم
الجحيمُ النَّعيمُ هنا في وريدكَ،
في شريانِكَ، لا فُرْقَةٌ ولا شُرْكةٌ.
فلماذا، بِحَقّ التُّرابِ وميراثهِ، وَبِحَقّ الهواءْ
لا تُريد السمَّاءُ لِجسمك أن يتحرّرَ مِن أَسْرِهِ،
وأَن يلبَس الفضاءْ؟
4 - عُطلة
لا أُحِّدث عن واحدٍ يثور،
على رأسهِ مَلاَكٌ.
لا أُحدّث عن رايةٍ أو هُتَافٍ
لِدَمٍ، أَوْ رَصاصٍ.
5 - غناء
ألمح الحُزْنَ في الشّام، يأخذُ قيثارَهُ
ويغني بلا كلماتِ.
6 - جوع
كلّما خرَج الشُهداءُ جِيَاعاً إلى اللهِ،
حَتّى يُزيّنَ أفواههم،
بِملاعقَ مِن فِضَّةٍ،
خرح الجوعُ في الأرض، يبكي،
ويندبُ أَحْوالَهُ.
7- نخلة
يَدّعي
أنّه عاشقٌ نخلةً
لم تَجئ مِن مُتُونِ البساتينِ،
أو مِن كتاب الفصولْ.
قال: فيها سِهَامٌ
تُصيب القلوبَ،
وتنزلُ فيها كوحيٍ.
نَخْلةٌ ليس في جِذْعها الآنَ غيرُ الطُّلولْ.
8 - شِباك
تَهبطُ المدنُ العربيّةُ في سُلّم
وتصعدُ في سُلَّمٍ:
خطواتٌ - حقولٌ
بلا زارعٍ، ولا سَائِسٍ.
خطواتٌ - شَوارِعُ مَسْدودةٌ.
أيّهذا الهَواءُ النقيُّ الذي يُوقِظ الأفْقَ
مِن نَوْمِه،
قُلْ لهـذي المدائنِ: أَلقي شــِبَاكَ الهجوم
على الظُّلماتِ، على الخَوْفِ،
وَامْتَزجي بالفضاءْ.
قُلْ لها، أيّهذا الهَواءْ.
9 - حلم مشتَرك
عسَلٌ في جِرَار الشّوارعِ للمتْعبَينْ
والثّواني قنابِلُ موقوتَةٌ
تَتَنقّل مَرْسُومةً
بأشكالِ رَقْصٍ،
بِمُغنّين أصواتُهم
تَتَنزَّلُ مَنّاً وسَلْوَى.
عَسلُ السَّائرينَ إلى أرض أحلامهم،
عَسلُ الَّرافضينْ.
10- رقابة
مَا لِجسْمي يُراقِبُ جسْمي؟
ودرُوبي إليهِ،
كُلَّ يَوْمٍ تُغَيّرُ أَقفالُها
ومَفَاتيحُها.
11 - تراب
لا تُسدِّدْ رَصاصَكَ نَحْويَ، لستُ العدوَّ،
وهذي حَياتي
خُطواتٌ ثِقَالٌ بِطَاءٌ
على دَرَجٍ من عَذَابْ.
وأقولُ: دَمي عاشِقٌ
وجسميَ يَضْنى،
وَلاَ حُبَّ لي غيرُ هذا التُّرَابْ.
12 - تساؤل
لَنْ تُحِبّوا، إذا لم تَثُوروا،
أَوْ، كما قيِلَ: ثُوروا، تُحِبّوا.
فَلِماذا، إذاً، لا تَرونَ المدينةَ إِلا
شمعةً مُطْفأَهْ؟
ولماذا، إذاً، تكرزونَ:
الحيَاةُ غرابٌ،
والظّلامُ امْرأهْ؟
13 - احتفاء
لِلحقولِ التي تَتنزّه فيها الشآمُ،
لأِحزانِها وصَعَاليكها،
لِشقائقِ نُعْماَنِها،
وَلِشــمسٍ تجـــيءُ إليها لِتَبْرُد أحشاؤُها،
أَنْتمي الآنَ- كَفّايَ مَمْدودتانِ، وصَدْري
جَبَلٌ ضارِبٌ في الفَضاءْ،
غِبطةً، وَاحتِفاءْ.
14 - حزن
وردةٌ وكتابٌ
يبكيانِ على قبْر طِفْلٍ.
15 - استعادة
مَا الذّي تقرأُ اللاذقيةُ،
ماذا تقولُ لِجيرانِها وجَاراتِها؟
وَجــْهُهَا »ضَجّةٌ«، كما قال عنها المَعرّي.
أَتُرَاها الحياةُ التي تَتَلأْلأُ فيها
تُقَادُ إلى هُوّةٍ، من جديدٍ؟
مَن جَديدٍ، يقولُ المَعرّي:
«سَأُسمّي حياتيَ موتاً
وأَسْأَلُ مِنْ أوّلٍ:
ما الصَّحيحُ»؟
القناديلُ تُطْفَأُ، والأرضُ مخنوقَةٌ.
16 - استضاءة
أَستَضيءُ بِأرضي
بالرّياحِ وآهاتِها،
وأَسأَلُ في حيرةٍ:
«تُرانيَ حرٌّ؟ ولكن
مَنْ يؤكّد أَنِّي أرَى
وَأَنّيَ حرٌّ؟».
17 - عالم
عَالَمٌ أَتحّركُ فيهِ،
أفكّر، أرمي شِباكي على كلّ شيءٍ.
وَأكتبُ ما شئتُ. لكن،
لم أَقُلْ، مرّةً، إنّه عالَمي.
لم يكن، مرّةً، عالَمي.
أَهُوَ الأَبْجدّيةُ؟ لا مُلْكَ لِلأبجديةِ،
غيرُ الخروج إلى كلّ ما ليس مِنها.
18 - صُوَر
صُوَرٌ ، في اللّقاءاتِ، وَحْديَ، في غُرْفَةٍ،
في طريقٍ، حديقة مَقْهى،
أحدّقُ فيها، أُسائلُ عَينيَّ: ماذا أَرَى؟
أَأَنا صورتي؟
أَوجْهي هنالكَ وَجْهي هُنا؟
أمْ تُرى صُورتي فَصَلتْني عَنّي؟
(وما أعمقَ الفَرْقَ بين الخطوط التي رَسَمْتني
وتلك التي رسَمَتْ صورتي)،
كأنّي سَأُمْحى
إذا مُحِيت صُورتي، أَوْ كأنّي
لم أَعدْ في الحقيقةِ إِلاّ مجازاً.
19 - وصاية
وطَنٌ يتبدَّدُ في اللَّغْوِ، في أَرْجُلِ الكلماتِ:
لهذا القناعِ - الشِّعارِ الذي ابتكرتْهُ
القيودُ، عروشٌ
تتخاصَمُ في الأوْصياءِ،
وَمَنْ بينكم يُريدُ الوصاية؟ كلاَّ،
لن أكون شريكاً
لن أكون وَصِيّاً على أيّ عَرْشٍ.
20 - قدرة
تقدرُ القُنبُلهْ
أن تكونَ جواباً أو تكونَ سؤالاً.
وتقدرُ أن تتشَظَّى:
تَتغلغَلُ في أيِّ شيءٍ،
تَتَماهَى بهِ، وَهيَ نَقْضٌ لَهُ
تقدر القنبُلهْ
أن تقولَ النّساءُ الرّجالُ غُبارٌ
وأن تَتـزَّيا بهم، وَبأِحـــلامهم وعَذاَباتِهمْ،
وتسألَ عنهم، واحداً واحداً،
وتقول لأِمْطارها:
أَطْفِئي جذوةَ الأَسْئِلهْ
تقدرُ القُنبلهْ
أن تقولَ: لِكانونَ حَظٌ
في زيارة أَيّارَ:
دارُ الأَساطيرِ قَفْراءُ
والكونُ بَوّابَةٌ مُقْفلَهْ.
21 - وطن
وطَنٌ نائِمٌ في العَراءْ
لا سرير له
غيْرُ نَسْجِ الهبَاءْ.
22 - تخوم
لا أقولُ: لنا موقعٌ واحِدٌ
وحُدودٌ بلا فاصلٍ.
لا أقولُ: الطّريقُ هناك امتدادٌ
لطريقي هُنا.
لا أُشارِكُ في وَحْدة الخرائبِ. لا وَحْدةٌ
إذا لم تكن فتِنةً:
فَجْرَ جسْمين في ذُرْوَةٍ
شَغفاً واحداً
قَلقاً واحداً،
وانفِتاحاً حميماً على السرّ: لا وَقْتَ للذاكرهْ
كي تعودَ إلى إِرثها.
إِرْثُهَا الَوقْتُ والآنُ: عَصْفٌ جميلٌ،
مُدُنٌ ثائِرهْ.
23 - وصف
تَصفُ اللاّذقيّة أَبْناءَها
مثلما فَعَلتْ قبلها حلَب ودمشْق:
شَفَةٌ واحدهْ
وَلغاتٌ عديدَهْ.
إنها العودَةُ - القاعده:
زمَنٌ لَوْلَبيٌّ قديمٌ
ومراياه مصقولةٌ جديده.
24 - جراح
مَنْ يقولُ: الجِراحُ شُقوقٌ
في عُروق الجسدْ؟
الجراحُ دَمٌ يَتدفَّقُ في شَريَانِ الأبَدْ.
25 - كَبِدُ الماء
مطَرٌ غامِضٌ، ولكن
يعرف العشبُ ألفاظَهُ
وَيفهمُ إيقاعها وأَسْرارَها.
ولماذا، إذاً
تتورّمُ حَتىّ كَبِدُ الماء في نَبْعِ تَاريخنا؟
26 - إقناع
سوف أُقْنعُ نفسيَ أن تَتشَّبهَ بالرّيحِ،
كيْ أتجرّدَ من كلّ مُلْكٍ،
وَكَيْ أتبدّدَ في كلّ فَجٍّ،
لا أُبالي بما كانَ أو ما يكونُ، وكالريح أحيا:
ليس للرِيح إلاّ
لا مُبَالاَتُها.
27 - جهل
لم أكن قَبْلُ أعرفُ أنَ هناكَ رجالاً
يُوضَعون كَنَقْدٍ
في الجيوبِ.
28 - مَرَق
مَرَقٌ سائِلٌ في الشوارعِ، فيضٌ
مَن عظاتٍ لِجِنٍّ
فقدوا سِحْرَهم،
وَلِحبْرٍ قديمٍ
لا يَرى الكونَ إلاّ حجاباً.
مَرَقٌ سَكبتْهُ الشآمْ
في جِرار الكلامْ.
29 - نرد
الحقيقةُ نَرْدٌ
في يدَيْ غَيْمَةٍ.
30- رصاص
ليس عندي رَصاصٌ كغيري،
كثيرٌ غريبٌ ومن كلّ نوعٍ
وأَجهلُ من أين يُؤْتَى بهِ.
هكذا سأظلُّ (يقولون لي)
عائِشاً في جحيمٍ.
أَتُراها الرَّصَاصَةُ حوريّةٌ؟
31 - رمل
ليس لِلرّمل معنىً
سِوى شكلهِ.
32- تماثيل
لا تقلْ لِلتماثيل مِن أين جاءَتْ، ولكن
قل لَها: كيف جئتِ؟
الحجارة تجترُّ أَشْلاءَها
والأزاميلُ في حيرةٍ.
لا تقلْ، لا تقلْ.
الأزاميلُ تشكو تماثيلَها،
التماثيلُ تشكو أزاميلَها.
33 - اختراق
شاعِرٌ
يَلعبُ النَرْدَ بين مناماتهِ،
والُنجومْ:
لا مسالِكَ نحو التحرّرِ،
لا فجرَ، إلا
في اخْتراقِ التّخومْ.
34- أسلاف
كانَ مِيراثُهم »ضَجّةً«
مِثلَما حَدّثَ المعرّي. وكانوا
يُولِمون شَرايينَهم إلى الخلفاءِ:
المدائِن مَطْموسَةٌ
بِأبابِيلهمْ.
لن يَروا، إِنْ رأوا
غيرَ أشلاءِ تاريخهم،
وَتمَاثيلَ منحوتةً من دماءٍ.
35 - طفل
رَسَمُوا الثّائِرَ المنوّرَ طِفْلاً
كَتِفَاهُ جَناحانِ مِن نَشْوةٍ وحريةٍ.
وزنداه يَحتضنانِ دفاترَ أحلامهِ.
كَبُرَ الطّفْلُ، صار سَماءً.
36- محاكاة
سَأُحاكي الطّيوْر.
سـوف أبني، إذاً، منزلاً مِن خيوطٍ وقَشٍ.
آخذُ القَشَّ مَثنى، فُرادَى
وأرفعُ منه عموداً هناك، عموداً هنا
وأزيّنُ ما حولها بريشٍ،
وَبعِشْبٍ، وأوراقِ وَرْدٍ.
الخيوط لأربط ما بينَها
قَشّةً قَشّةً، عموداً عموداً،
وأمدَّ الجُسوْر.
37 - صبوات
منذ كانون، آذار، أكتبُ
كي يتجّددَ معنى الشُّهورِ،
وتُبْتكر الأزمنهْ،
والمنارَاتُ ليست أَغَانيَّ، بل هذه
الصّبواتُ التي تتفجّر من رئةِ الأمكنَهْ.
38 - اعتراف
لا أُجادِلُ: رفْضي مقيمٌ
في القتيل الذي يَقْتُلُ
في القتيل الذي يُقْتَلُ.
لا أجادِلُ: رَفْضي مقيمٌ،
في كتابٍ يُجيبُ، وفي مارقٍ يَسْأَلُ.
وَيحتارُ فيّ الجميعُ. وأحتارُ في كل شيءٍ
ولا صَخْرَةٌ غيرُ رَفْضي.
(بيروت 20 -31 ماي 2011 )
لا أُجادِلُ: رفْضي مقيمٌ
في القتيل الذي يَقْتُلُ
في القتيل الذي يُقْتَلُ.
لا أجادِلُ: رَفْضي مقيمٌ،
في كتابٍ يُجيبُ، وفي مارقٍ يَسْأَلُ.
وَيحتارُ فيّ الجميعُ. وأحتارُ في كل شيءٍ
ولا صَخْرَةٌ غيرُ رَفْضي.
(بيروت 20 -31 ماي 2011 )
يتكون النص
من 38 شذرة كل شذرة هي ومضة شعرية مستقلة عن سابقاتها ولا حقاتها تنقل إحساسا لا
يعكس الواقع بل يقرأه شعريا. وهي بذلك تختلف كليا عن قصيدة إرادة الحياة ذات
المعجم السياسي الخطابي . وبذلك تكتسب القصيدة استقلاليتها عن الواقع و عن الأحداث
وتضمن استمراريتها خارج المناسبة ، فلا إشارة للحدث و لا لزمان و لا لمكان .ويمكن
أن تقرأ قراءات متعددة مفتوحة على الرؤية الموضوعية للواقع السياسي العربي أو على
الرؤية الذاتية في بعدها الفرداني في علاقتها بواقعها المتعدد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق