الثلاثاء، 27 مارس 2012

حوار حول تغيير العقيدة




حوار بين علي المتقي ومحمد شعبان الموجي كاتب مصري عميد ملتقى الأدباء ةالمبدعين العرب نشر على صفحات الملتقى .
علي المتقي

العقيدة هي الحقيقة المطلقة التي لا يمكن الاستدلال عليها أو تبريرها . فحين أتبنى عقيدة و أسْلِمُها يقيني المطلق ، فلن أسمح لأي كان أن يناقشني فيها أو أن يمسها بنقد . و لأنني أعيش في مجتمع متعدد فيه ملل ونحل، فيجب أن أحترم ملل الآخرين كما أطالبهم باحترام ملتي ،ويصبح المبدأ الذي يتم الإجماع حوله هو الاحترام المتبادل بين كل الناس . و الله يحكم بيننا في ما كنا فيه نختلف . ومهما كان الحوار هادئا وجادا فلن يقنعني أحد بالتخلي عما أومن به ،أو أستطيع أن أقنع أحدا بأن ما أومن به هو الأفضل . لذا، وجب التركيز في النقاش حول : أين تبتدئ حرية الآخر وأين تنتهي .
احترامي وتقديري للجميع .

محمد شعبان الموجي
الأستاذ الجليل والأخ المحترم د./ علي المتقي 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته 

كيف يمكن أن نفهم قول حضرتك :
اقتباس:
العقيدة هي الحقيقة المطلقة التي لا يمكن الاستدلال عليها أو تبريرها .

وهي التي لايمكن أن تقوم إلا على الإستدلالات العقلية أو المادية وقد تضمن القرآن الكريم العديد من الإشارات والدلائل الكونية على وجود الله وعلى معرفته سبحانه وتعالى وهو أس العقيدة ، ودعانا إلى التفكير في خلق السموات والأرض وفي كل تلك الآيات الكونية والاستدلال بها على وجود الله عزوجل وعلى صدق النبي صلى الله عليه وسلم .. كما أن من طبيعة العقيدة أي عقيدة الاجتهاد في التبريرات المنطقية التي تدحض الشبهات التي تثار حولها وإلا فلايمكن أن تسمى عقيدةأصلالأنالتقليد يتنافى مع طبيعة العقيدة. فالتقليد في الفروع جائز .. ولكن التقليد في العقيدة لايجوز..لأن التقليد لاينفي الشك حينما تثار شبهه ولا إيمان مع الشك .
ثم تقول حضرتك :
اقتباس:
فحين أتبنى عقيدة و أسْلِمُها يقيني المطلق فلن أسمح لأي كان أن يناقشني فيها أو أن يمسها بنق.

وهنا أسأل : وعلى أي أساس تبنيت حضرتك عقيدة ما وسلمتها يقينك المطلق دون غيرها من العقائد والمذاهب إلا أن يكون ذلك بناء على اختيار حر يعتمد على الاستدلالات العقلية والمنطقية وليس على مجرد التوريث أوالتخمين 
وأما قول حضرتك :
اقتباس:

فلن أسمح لأي كان أن يناقشني فيها أو أن يمسها بنقد
أقول:إن هذا ماأطلق الله عليه في كتابه الكريم الإعراض عن الاستماع لصوت الحق، وفي هذا القول أيضا إبطال للديانة،وإهدار لعشرات الآيات القرآنية التي تدعو الناس إلى تغيير عقائدهم الباطلة والإيمان برسالة الإسلام التي لن يقبل الله بغيرها .. كما تهدر عشرات الآيات القرآنية التي تدعو الناس إلى الدعوة والجهاد ونشر الدين .

بل أقول إن في هذا القول اهدار للنبوة والرسالة والتي يقف على رأس مهامها اقناع الناس بتغيير عقائدهم وقناعاتهم .. واخراجهم من الظلمات إلى النور، وإذا كان ما تقوله حضرتك صوابا فكيف انتقل الناس على مدار التاريخ البشري كله من دين إلى دين ومن مذهب إلى مذهب تحت تأثير الرسل والرسالات والدعوة والدعاة .
وكما قلت في موضوع التفكير المسبق إن في كل سلالة جد عظيم أو شيخ قبيلة أو زعيم أو ... استطاع أن يغير قناعاته وأن يختار دينا أو مذهبا مخالفا لما كان عليه الآباء والأجداد و الكثير منا للأسف الشديد لم يقتد بهذا الجد العظيم الحر الذي فكر واجتهد واختار وغير قناعاته .. لم نقتدي به في هذا السلوك القويم واكتفينا بتقليده .

صحيح أن وراثة الدين أو المذهب له تأثير عظيم على الإنسان ( يولد الأنسان على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ..الحديث ) .. ولكن هذا قد يجوز في حق العوام .. الذين لم يطلعوا على عقائد الآخرين وليس لهم القدرة على النظر في أدلتهم .. ولكنه لايجوز بحال لمن توافرت له القدرة على الاطلاع على عقائد الآخرين ومذاهبهم .. ويستطيع من ثم أن يعود بنفسه إلى حالة الفطرة الأولى ويتخلص من كل الأفكار المسبقة التي بنيت على تفكير مسبق واختيارات الآباء والأجداد .. فلسنا أقل شأنا منهم ولا أقل قدرة على التفكير وحرية الاختيار وهي الأساس الذي يخاطبنا به الكتاب العزيز .. ويدل عليه العقل الصحيح .

فباب تغيير العقائد والقناعات لايمكن إغلاقه بأي حال من الأحوال .. لأن في ذلك إبطال لعمل الرسل والأنبياء بل واهدار للعقل البشري الذي خلقه الله فينا لندرك به الحق والباطل .. واهدار لمشيئة الاختيار التي أودعها الله في الإنسان ( إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا ) .. ( ونفس وماسواها فألهمها فجورها وتقواها ) .. ولمبدأ قرآني عظيم ينص على المسئولية الفردية لاختيارتنا .. فالله عز وجل سيحاسبنا بما نعتقد لا بما يعتقد مشايخنا وآباؤنا .. ( وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ) والآيات في ذلك كثيرة .

وأما قول حضرتك
اقتباس:
و لأنني أعيش في مجتمع متعدد فيه ملل ونحل، فيجب أن أحترم ملل الآخرين كما أطالبهم باحترام ملتي ،ويصبح المبدأ الذي يتم الإجماع حوله هو الاحترام المتبادل بين كل الناس . و الله يحكم بيننا في ما كنا فيه نختلف . ومهما كان الحوار هادئا وجادا فلن يقنعني أحد بالتخلي عما أومن به ،أو أستطيع أن أقنع أحدا بأن ما أومن به أو الأفضل . لذا، وجب التركيز في النقاش حول : أين تبتدئ حرية الآخر وأين تنتهي . 

فهذا هو ما قلناه وذكرناه من أن العلاقة بين البشر تقوم بالأساس على العدل والاحترام المتبادل بين أهل العقائد والمذاهب المختلفة .

وأما قول حضرتك بأنه
اقتباس:
ومهما كان الحوار هادئا وجادا فلن يقتعني أحد بالتخلي عما أومن به ،أو أستطيع أن أقنع أحدا بأن ما أومن به أو الأفضل 
فهذا قد أجبنا عليه سلفا .. كما أزيد حضرتك وأقول إننا هنا لاندعو أحدا لأن يترك عقيدته وقناعاته بل أكدنا فقط على حق الإنسان في المعرفة كما أكدنا في المقابل على عدم السماح للترويج للعقائد .. لأننا في ملتقى فكري حواري معرفي .. ولسنا حزبا أو جماعة أيدلوجية تبشر أو تدعو أو تجند الآخرين في صفوفها .

في النهاية أشكرك على إثارة هذه القضية 

علي المتقي
الأستاذ الجليل محمد شعبان الموجي : بداية أشكرلكم سعة صدركم ورحابة فكركم ، وتحملكم لوجهة نظري ورغبتكم الصادقة في مناقشة هذه الآراء .

فيما يخص الفكرة الأولى :
العقيدة هي الحقيقة المطلقة التي لا يمكن الاستدلال عليها أو تبريرها .

انطلقت في هذا الرأي من مسلمة قبلية أعتقد بصحتها ترى أن الحقيقة كل الحقيقة نسبية إلا حقيقة العقيدة والإيمان فهي حقيقة مطلقة . لأن الإنسان حين يعتقد أن ما يؤمن به هو الحق يضحي بكل شيء في سبيله، لأن الحقيقة المطلقة هي التي يمكن أن نضحي بكل شيء في سبيلها . ومصدر الإيمان لا يمكن أن يكون العقل وحده ، لأنه لو كان العقل وحده هو مصدر العقيدة لآمن من في الأرض جميعا بعقيدة واحدة مصدرها العقل الذي لا يختلف في نتائجه اثنان . و الواقع أن العقل مصدر من مصادر الإيمان يضاف إليه القلب ، أي إحساس الذات أن هذا الذي توصلت إليه هو الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ومن خلفه . ولم يستعمل القرآن الكريمالعقل ( الحكمة و المجادلة بالتي هي أحسن ) وحده مصدرا إلى الإيمان، بل وظف أيضا الموعظة الحسنة التي تخاطب القلب أيضا ، وبقدر ما في القرآن من أدلة عقلية بقدر ما فيه من ترغيب وترهيب وقصص اعتبرت موعظة للمتقين . ومن غيّر عقيدته فهو ليس راسخ العقيدة، و شاكا في ما يؤمن به ، وما زال ضالا يبحث عن اليقين . وهؤلاء هم الذين خاطبتهم الديانات السماوية ووجدت فيهم أنصارا . أما غيرهم فمثلهم من قال في حقهم تعالى في سورة البقرة : إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أن لم تنذرهم لا يومنون . وسورة عبس واضحة في هذا المجال ، فقد أمر الله عز وجل نبيه بأن يولي اهتمامه لمن جاءه يسعى ويتلهى عمن ترسخ الكفر في ذهنه وختم الله على قلبه من صناديد قريش.
إنني لا أقول لا للدعوة ،ولا لتبليغ الأنبياء ، فذاك لا يقول به إلا جاهل ، و إنما تكون بإبراز مزايا ما نؤمن به ونحاول عقلنته لنقنع به الآخرين ممن لم تترسخ عقيدة ما في نفوسهم . وأنا على يقين أن غيري سيفعل الفعل نفسه ، فيدعو إلى ما يعتقد أنه العقيدة الحق . وقد تمسح أحد الشبان المغاربة لفترة من الزمن ليتوجه إلى أوروبا ، فلما لم يجد ما يريد عاد إلى المغرب وإلى عقيدته ، فلما سئل هل تمسحت حقيقة ؟ قال : من لم يكن مسلما حقيقيا لا يمكن أن يكون مسيحيا حقيقيا . فأنا أبحث عن شغل لا عن عقيدة . 
وقد قال عمر رضي الله عنه اللهم إيمانا كإيمان العجائز ، لأن الدين لا يمكن تبريره بالعقل . وقال علي رضي الله عنه ما معناه ،لوكان الدين بالرأي لكان مسح باطن الخف أولى من ظاهره . والحج كله من طواف وسعي ومبيت بمنى ووقوف بعرفات ورمي الجمرات و الحلق ... كل ذلك عبادات أمرنا أن نقوم بها ، لأنها من شعائر الله ، ومهما حاولنا أن نعقلنها فسنصل في النهاية إلى القول :آمنا بما أنزل على نبينا وكفى. ولن أقبل من يناقشني فيه، لأنه إيماني الذي لا يتزعزع و أنا في سن الخمسين .
وهنا أسأل : وعلى أي أساس تبنيت حضرتك عقيدة ما وسلمتها يقينك المطلق دون غيرها من العقائد والمذاهب إلا أن يكون ذلك بناء على اختيار حر يعتمد على الاستدلالات العقلية والمنطقية وليس على مجرد التوريث أو التخمين
أنا لا أقول بالتوريث و التخمين ، وإنما أقول بالعقيدة التي أومن بها بعد تفكير. و الحق أقول ،ليس العقل وحده من قادني إلى الإيمان بما أومن به ،و إنما العقل والقلب و التاريخ والأحداث التي وقعت في حياتي الخاصة وانتمائي إلى أسرة متدينة و خوفي من الغد المجهول ووجودي في هذا البلد الأمين و انتمائي إلى هذه الأمة العظيمة ، كل ذلك كان له نصيب في ما أومن به. ولأنني لا أعتقد بأنني يمكن أن أغير رأيي في ما أعتقد أنه الدين ، فنقاشي فيه سيكون مضيعة للوقت . ولن أناقش إلا ما أكون فيه مع مناقشي على قدم المساواة معي ، فإذا أقنعني تخليت عن رأيي واتبعت رأيه، والعكس صحيح.وما دون ذلك أطالبك باحترام إيماني وأحترم إيمانك والله وحده يحكم بيننا غدا .

الفكرة الثالثة :
فلن أسمح لأي كان أن يناقشني فيها أو أن يمسها بنقدأقول : إن هذا ماأطلق الله عليه في كتابه الكريم الإعراض عن الاستماع لصوت الحق .. وفي هذا القول أيضا إبطال للديانة ، .. وإهدار لعشرات الآيات القرآنية التي تدعو الناس إلى تغيير عقائدهم الباطلة والإيمان برسالة الإسلام التي لن يقبل الله بغيرها .. كما تهدر عشرات الآيات القرآنية التي تدعو الناس إلى الدعوة والجهاد ونشر الدين .

الأستاذ الفاضل :إنك تناقش العقيدة من منظور إسلامي محض تطمع في أن يؤمن لك الناس وأنت متيقن أنك لن تؤمن لهم ، فما تقوله في حق الآخرين ، بقوله الآخرين في حقك ، فنحن نصف الآخرين بالإعراض عن صوت الحق ، وهم يقولون نحن ظلاميون وجهال ومتخلفون ومعرضون أيضا عن صوت العقل والحق إلى غير ذلك من الصفات التي ننعت بها كل يوم هنا وهناك. ولأنني لست مستعدا لسماع كل هذا فأنا أعتبر ما أومن به هو الحق وأسير على نهجه و أرفض مناقشته ما دمت لا أنوي التخلي عنه ،خصوصا في هذا الزمن الرديء الذي تساءل فيه نزار : أما زلنا خير أمة أخرجت للناس ؟
هذا رأيي وأتمنى أن يكون مقبولا عند الله عز وجل و لا ألزم أحدا به لأنني أرفض أن يلزمني أحد بشيء . 
حبي وتقديري و احترامي لك أخي المحترم محمد شعبان الموجي ولكل الإخوة الأفاضل مهما اختلفت آراؤنا.
محمد شعبان الموجي
الأستاذ الجليل دكتور علي المتقي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته 
اسمح لي أن أعلق على ما ورد في مداخلتك القيمة 
اقتباس:
الأستاذ الجليل محمد شعبان الموجي : بداية أشكرلكم سعة صدركم ورحابة فكركم ، وتحملكم لوجهة نظري ورغبتكم الصادقة في مناقشة هذه الآراء .

فيما يخص الفكرة الأولى :
العقيدة هي الحقيقة المطلقة التي لا يمكن الاستدلال عليها أو تبريرها .


انطلقت في هذا الرأي من مسلمة قبلية أعتقد بصحتها ترى أن الحقيقة كل الحقيقة نسبية إلا حقيقة العقيدة والإيمان فهي حقيقة مطلقة . لأن الإنسان حين يعتقد أن ما يؤمن به هو الحق يضحي بكل شيء في سبيله، لأن الحقيقة المطلقة هي التي يمكن أن نضحي بكل شيء في سبيلها . 


لقد سبق أن ذكرت رددت على هذا الافتراض الجدلي الذي يدحضه واقع ملايين البشر على مدار التاريخ البشري كله تركوا عقائدهم عندما اقتنعوا بالأدلة العقلية التي يبديها الآخر الداعي إلي دين جديد أو مذهب جديد أو بسبب عدم القدرة على دحض الشبهات التي يثيرها الآخر حول عقيدة الشخص محل الدعوة .. كما يدحضه واقع آلاف البشر الذين يتحولون يوميا من دين إلى دين ومن مذهب إلى مذهب .. بسبب ما يعرض عليهم من أدلة عقلية يرون أنها أقوى وأظهر .
إذن فعملية التحول من دين لدين ومن مذهب إلى مذهب مستمرة بصفة يومية ولاينفي ذلك وجود من يتحول من أجل مصلحة أو منفعة دنيوية .. حتى هذا أيضا قبله الإسلام وأمده بما يحبه من أموال .. وهم المؤلفة قلوبهم إذ قد يحسن إسلامهم في الغالب نتيجة لمخالطة أهل الإيمان والاطلاع على محاسن الدين أو المذهب الجديد بالنسبة له .. لكن هذا لاينفي وجود ملايين من البشر غيروا عقائدهم ومذاهبهم نتيجة لتفكير عقلي يرجح بين الأدلة .. وإلا فلو اتهمنا كل الذين يتحولون من دين إلى آخر ومن مذهب إلى مذهب بأنهم كانوا يبحثون عن عمل لا عن عقيدة .. لاتهمنا أجدادنا واتهمنا الصحابة واتهمنا كل أهل الإيمان الذين آمنوا برسلهم وصبئوا عن دين آبائهم وكسروا الأصنام التي كانوا يعبدونها .

ومصدر الإيمان لا يمكن أن يكون العقل وحده ، لأنه لو كان العقل وحده هو مصدر العقيدة لآمن من في الأرض جميعا بعقيدة واحدة مصدرها العقل الذي لا يختلف في نتائجه اثنان . و الواقع أن العقل مصدر من مصادر الإيمان يضاف إليه القلب ، أي إحساس الذات أن هذا الذي توصلت إليه هو الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ومن خلفه . ولم يستعمل القرآن الكريمالعقل ( الحكمة و المجادلة بالتي هي أحسن ) وحده مصدرا إلى الإيمان، بل وظف أيضاالموعظة الحسنة التي تخاطب القلب أيضا ، وبقدر ما في القرآن من أدلة عقلية بقدر ما فيه من ترغيب وترهيب وقصص اعتبرت موعظة للمتقين . ومن غيّر عقيدته فهو ليس راسخ العقيدة، و شاكا في ما يؤمن به ، وما زال ضالا يبحث عن اليقين . وهؤلاء هم الذين خاطبتهم الديانات السماوية ووجدت فيهم أنصارا . أما غيرهم فمثلهم من قال في حقهم تعالى في سورة البقرة : إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أن لم تنذرهم لا يومنون. وسورة عبس واضحة في هذا المجال ، فقد أمر الله عز وجل نبيه بأن يولي اهتمامه لمن جاءه يسعى ويتلهى عمن ترسخ الكفر في ذهنه وختم الله على قلبه من صناديد قريش.

العلاقة ببساطة شديدة بين العقل وبين القلب أوضحها العلماء في التفريق بين هدايتين .. هداية الدلالة التي لاسبيل للوصول إليها إلا بالعقل .. وهداية الإٌعانة والتي لاسبيل إلى الوصول إليها إلا بشرح الصدر وإعانة الله لطالب الحق .. فمن يريد السفر إلى القاهرة فلاسبيل أمامه إلا استخدام العقل فقط للاستدلال على الطريق واتخاذ ما يلزم لركوب الطائرة أو السيارة .. أما ضمان الوصول سالما إلى القاهرة فهذه تحتاج إلى إعانة الله عز وجل وقد دلت الكثير من الأيات والأحاديث على تلك المعاني .. كما في قوله تعالى : ( ويزيد الله الذين اهتدوا هدى ) .. وقوله تعالى ( فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام .. ) .. وقوله تعالى : ( لمن شاء منكم أن يستقيم وما تشاءون إلا أن يشاء الله ) .. وفي قول الصادق المصدوق : ومازال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أكون سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها .. وفي قوله تعالى : ( قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم ) .فبالعقل نبدأ الطريق .. ونبدأ الترجيح .. ونبدأ اختيار الدين .. ونبدأ اختيار المذهب .. ونبدأ اختيار الشيخ .. إلى آخره .. وبعدها يأتي العون من الله .. فالعقل مناط التكليف .. وبالعقل نصل إلى الدين الصحيح ولكن العقل لاينشىء شريعة ولا يخترع دينا .. وإنما هو آلة للوصول إلى الطريق القويم .. ولاشك أن العقول تتفاوت في الفهم .. بسبب غلبة الأهواء ومغالبة الشهوات التي تحجب العقل عن الوصول للفطرة السليمة التي خلقنا الله عليها .. وتشوش عليه .. وتحجب بالتالي الروح التي هي من أمر الله عن رؤية مكانها الطبيعي الذي هو إلى جوار ربها .. وأتذكر حديثا يقول فيما معناه لولا المعاصي والشهوات لا طلعنا على عالم الملكوت .. فالعقل كاشف للعقيدة الصحيحة وليس منشىءلها 
اقتباس:


إنني لا أقول لا للدعوة ،ولا لتبليغ الأنبياء ، فذاك لا يقول به إلا جاهل ، و إنما تكون بإبراز مزايا ما نؤمن به ونحاول عقلنته لنقنع به الآخرين ممن لم تترسخ عقيدة ما في نفوسهم . وأنا على يقين أن غيري سيفعل الفعل نفسه ، فيدعو إلى ما يعتقد أنه العقيدة الحق . وقد تمسح أحد الشبان المغاربة لفترة من الزمن ليتوجه إلى أوروبا ، فلما لم يجد ما يريد عاد إلى المغرب وإلى عقيدته ، فلما سئل هل تمسحت حقيقة ؟ قال : من لم يكن مسلما حقيقيا لا يمكن أن يكون مسيحيا حقيقيا . فأنا أبحث عن شغل لا عن عقيدة . 
وقد قال عمر رضي الله عنه اللهم إيمانا كإيمان العجائز ، لأن الدين لا يمكن تبريره بالعقل . وقال علي رضي الله عنه ما معناه ،لوكان الدين بالرأي لكان مسح باطن الخف أولى من ظاهره . والحج كله من طواف وسعي ومبيت بمنى ووقوف بعرفات ورمي الجمرات و الحلق ... كل ذلك عبادات أمرنا أن نقوم بها ، لأنها من شعائر الله ، ومهما حاولنا أن نعقلنها فسنصل في النهاية إلى القول : آمنا بما أنزل على نبينا وكفى. ولن أقبل من يناقشني فيه، لأنه إيماني الذي لا يتزعزع و أنا في سن الخمسين . يتبع


أقول لحضرتك أنه لاتوجد عقيدة باطلة يمكن أن تترسخ في عقل أو قلب الإنسان .. وإنما هي الأهواء والشهوات والشبهات التي يلقيها الشيطان في عقل المتلقي فتغطي على الفطر السليمة .. ولذلك أسلم الكثير من صناديد الكفر والشرك ، وأما من بقي منهم على الكفر والشرك والعناد .. إنما كان لأسباب قبائلية وسياسية واجتماعية وأهواء وشهوات عطلت لديهم آلة العقل ومنعتهم من التفكير السليم .. ولم يكن لديهم عشر معشار مالدي اليهود والنصارى من عقائد وكتب وأدلة وبراهين .. ومع ذلك فقد دعا القرآن الكريم الناس كافة إلى تغيير عقيدتهم وملتهم وترك ما كانوا يعبدون وآباؤهم ولم يختص القرآن الكريم الذين لم تترسخ لديهم عقيدة بالدعوة إلى تغيير معتقدهم .. بل كانت دعوته لمن ترسخت لديهم مفاهيم مسبقة وراسخة بالدعوة إلى تغيير دينهم ومعتقدهم أكثر من غيرهم فقد استحوذت دعوة القرآن لليهود لترك دينهم وشريعتهم والإيمان بالنبي الأمي والكتاب الذي أنزل عليه بالنصيب الأكبر .. فليس هناك ما يؤيد مسألة استثناء الذين ترسخت في نفوسهم عقيدة دون غيرهم .. وإنما هناك أئمة الكفر الذين غطت الأهواء والشهوات والأحقاد على فطرتهم وعلى إيمانهم الداخلي .. ورفضوا الانصياع للحق مع علمهم أنه حق .

وأما الأمثلة التي ضربتها حضرتك للتدليل على أن العقل ليس الوسيلة الوحيدة للإيمان .. فقد أوضحنا سابقا .. أن العقل هو المسئول الأول عن هداية الدلالة .. وأنه كاشف للحق .. ولكنه ليس منشئا لها ابتداء .. وليس منشئا للشريعة .. وإنما هو وسيلة لفهم الشريعة .. وأن العقول تتفاوت بسبب غلبة الأهواء والشهوات والشبهات .. ولكنها في أصل الخلقة واحدة متساوية .

نسأل الله السلامة وأشكركم على الاهتمام والرد
علي المتقي
أستاذنا الجليل محمد شعبان الموجي : إنكم تتكلمون من داخل التصور الإسلامي للعقيدة و بأدلة هذا التصور التي لا نقول بها إلا نحن.أقول لحضرتك أنه لاتوجد عقيدة باطلة يمكن أن تترسخ في عقل أو قلب الإنسان ..

فهل تستطيع إقناع أصحاب العقائدالأخرى بهذا الرأي؟ لنا أن نؤمن به نحن،وهذا من حقنا، لكن لا يمكن أن نأتي به حجة عليهم، وإلا فسيقولون ما نقول أيضا. لنتجرد قليلا من خصوصياتناالعقدية لنقول إن العقيدة هي ما يؤمن به الإنسان ومما يعتقده أنه الطريق المستقيم.ومهما قدمنا من أدلة عقلية أو تاريخية،لإثبات أن الإسلام هو العقيدة الحق وما تبقى مجرد أهواء ، فلغيرنا أدلته الذي يتوارثها،ولنا ديننا وله دينه.وما نخاطب به الناس في المساجد لترسيخ إيمانهم وتثبيته، لا يمكن أن نتحدث به في المحافل الدولية التي يستخدم فيها العقل مقياسا .
وما زلت أكرر أن المؤمنين الحقيقيين في كل الأديان قلائل ، وباقي الناس مؤمنون بالوراثة أو بالاسم، وهؤلاء هم الذين خاطبتهم الديانات على مر التاريخ و استجابوا تلقائيا أو بعد تردد . مع العلم أن الديانات تظهر في وقت يطغى فيه الظلم والشك والتردد على الحق واليقين.
وعندما نقول إن العقل وحده هو مصدرالعقيدة يطرح السؤال التالي: هل هذه الملايير من البشر التي لا تؤمن بالدين الإسلامي لم يهدها عقلها إلى الإيمان بالإسلام على الرغم من أن الكثير منها على مر الأزمنة اطلع على القرآن الكريم وما نشأ حوله من علم وجدل خصوصا أولئك الذين يعيشون بيننا ويتكلمون لغتنا من يهود ومسيحيين وملحدين.

خلاصة القول: إن لغيرنا ما لنا من حجج يدافع بها عن ملله ويدعو إليها ، ويستقطب الناس من ديننا كما نستقطب الناس من دينه.وفي كل الأحوال لا يُستقطب المؤمن الحق أبدا، وإنما يستقطب من بقي في قلبه ذرة شك وتردد في صحة ما يعتقد أنه الحق، وهذه ليست ولن تكون عقيدة أبدا . والحمد لله الذي هدانا لما هداناإليه. و الله أعلم بمن اهتدى ومن ظل عن سبيله

محمد شعبان الموجي

اقتباس:
الأستاذ الجليل دكتور علي المتقي 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته 
وهذه أيضا قضية أخرى تنقلنا إليها حضرتك وتتعلق بالاستدلال القرآني على غير المؤمنين بالقرآن .. وقد سبق أن تناقشت مع أحد كبار الدعاة في مصر وكان متخصصا في الغزو الفكري حيث كان يرى عدم منطقية الاستدلال بآيات القرآن والسنة المطهرة ف مواجهة الكفار وغير المؤمنين بالرسالة المحمدية .. والحقيقة أن هذا خطأ منهجي كبير .. يخالف أيضا كتاب الله ويخالف المنطق أيضا .. لأن القرآن كتاب هداية وليس كتاب تعاليم فقط .. ومادام القرآن كتاب هداية إذن فهو لابد أن يتضمن حجج وبراهين عقلية .. فهو حجة الله البالغة على عباده مؤمنهم وكافرهم .. ولو نظرنا إلى كتاب الله فستجد أن الله عزوجل يخاطب الكفار والمنافقين ويحاججهم بآيات الكتاب ليس من باب الإلزام الإيماني .. ولكن من باب الإلزام العقلي بالحجج العقلية والمنطقية .. فعندما أستدل وأعتمد على التصور الإسلامي في مواجهة التصورات الأخرى ..فلا ألزم الخصم بضرورة الإيمان به ككلام صادر عن الله .. ولكن ألزمه بما ورد فيه من حجج وبراهين عقلية .. ومن هنا تأتي أهمية العقل كآلة للتفكير والتدبر في الآيات الكونية وفي الآيات القرآنية كحجج منطقية مجردة عن أية قداسة .. كما أننا نستدل بآيات الكتاب والتصور الإسلامي لمخاطبة الفطر الإنسانية وإزالة الغشاوة والحجب من عليها .
ولذلك نزل القرآن ليخاطب الكفار ابتداء .. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يواجه كفار قريش بالآيات القرآنية مخاطبا فيهم العقل والفطرة .
وكان كفار قريش وأهل الكتاب يواجهون المسلمين أيضا بما لديهم من حجج وبراهين مزعومة أو شبهات وافتراءات بمعنى أصح .. بل كان القرآن الكريم نفسه ينقل لنا بعض هذه الشبهات أو الحجج والبراهين المزعومة ويرد عليها ويدحضها .. ثم بعد ذلك يترك لكل إنسان الحكم والتمييز بين أدلة هؤلاء وأولئك .. بالعقل والفطرة .. ( وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ماكنا في أصحاب السعير ) .

فللجميع أن يعرض حججه وبراهينه .. ولعقل كل إنسان وفطرته أن يميز بين الحق والباطل دون اكراه .. وكم من البشر ممن كانوا على الكفر والإلحاد عندما قرأوا القرآن وتعرفوا على الإسلام من مصادره خرجوا من ظلمات الجاهلية والكفر إلى نورالإسلام .



اقتباس:
وما نخاطب به الناس في المساجد لترسيخ إيمانهم وتثبيته، لا يمكن أن نتحدث به في المحافل الدولية التي يستخدم فيها العقل مقياسا .

هذا صحيح فالخطاب الدعوي الموجه للمسلمين يختلف كثيرا عن الخطاب الموجه لغير المسلمين .. سواء في المحافل الدولية أو غيرها .. ولكن كلاهما مستمد من التصور الإسلامي .. ولكل طبيعته التي تناسب المقام .


اقتباس:
وما زلت أكرر أن المؤمنين الحقيقيين في كل الأديان قلائل ، وباقي الناس مؤمنون بالوراثة أو بالاسم، وهؤلاء هم الذين خاطبتهم الديانات على مر التاريخ و استجابوا تلقائيا أو بعد تردد . مع العلم أن الديانات تظهر في وقت يطغى فيه الظلم والشك والتردد على الحق واليقين.


ومازلت أنا أقول مع كل احترامي وتقديري لشخصكم أنه لايوجد في كتاب الله ما يدل على خصوصية الدعوة لقوم دون قوم .. أو لمن توارثوا عقائدهم .. ومن توصلوا لها بعد تفكير .. بل الكل أهل للدعوة .. اللهم إلا من جحد وأصر وعاند وكاد للدين وطعن فيه .. بعد دعوته مرارا وتكرارا .. فهؤلاء هم أئمة الكفر والجحود وليسوا أئمة التفكير الحر الذي انتهى بهم إلى غير الإسلام .


اقتباس:

وعندما نقول إن العقل وحده هو مصدرالعقيدة يطرح السؤال التالي: هل هذه الملايير من البشر التي لا تؤمن بالدين الإسلامي لم يهدها عقلها إلى الإيمان بالإسلام على الرغم من أن الكثير منها على مر الأزمنة اطلع على القرآن الكريم وما نشأ حوله من علم وجدل خصوصا أولئك الذين يعيشون بيننا ويتكلمون لغتنا من يهود ومسيحيين وملحدين.

أستاذنا الجليل 

- لم أقل أن العقل هو مصدر العقيدة وإنما قلت هو الوسيلة والآلة التي تنظر في الأدلة الكونية والرسالات السماوية ثم تختار بين الحق والباطل .. أما مصدر العقيدة فهو الكتب والرسل .

- القرآن الكريم يقول لنا أن الذين لم يؤمنوا بالإسلام والرسول والقرآن .. هم كالأنعام بل هم أضل من الأنعام.. فنفى عنهم القدرة على السمع والفهم ووصمهم بتعطيل العقل وعدم التدبر والتفكر والتفكير .. والآيات في ذلك كثيرة .. فكل من لم يؤمن بالقرآن والرسول ممن وصلته رسالة الإسلا م على وجهها الصحيح هو معطل لأعظم نعمة أنعم الله بها على الإنسان ألا وهي نعمة العقل الوسيلة العظيمة والوحيدة للاختيار والتمييز والاستفادة من الأدلة الكونية والكتب السماوية والفكر البشري القويم المتسق مع الفطر .. وهؤلاء جميعا انتفت عنهم صفة الرشد التي هي تمام العقل الذي هو مضاد الهوى .. وهؤلاء جميعا قد وصفهم الله باتباع الشهوات وتغليب الأهواء .. ولنعم ما قال وصدق الله فيما قال فهذا هو حالهم الذي لايخفى على أحد .

اقتباس:

خلاصة القول: إن لغيرنا ما لنا من حجج يدافع بها عن ملله ويدعو إليها ، ويستقطب الناس من ديننا كما نستقطب الناس من دينه.وفي كل الأحوال لا يُستقطب المؤمن الحق أبدا، وإنما يستقطب من بقي في قلبه ذرة شك وتردد في صحة ما يعتقد أنه الحق، وهذه ليست ولن تكون عقيدة أبدا . والحمد لله الذي هدانا لما هداناإليه. و الله أعلم بمن اهتدى ومن ظل عن سبيله

لايمكن أن يتساوى الحق بالباطل أبدا .. ولا اللبن بالقطران .. وليس هناك أي وجه للمقارنة بين ما قدمه الإسلام من تصورات وقيم وموازين ومبادىء وحجج .. وبين ما يقدمه هؤلاء الكفار والمشركون والملحدون .. وهؤلاء ليس لديهم يقين أصلا .. بل هم في شكهم يترددون وأنى لملحد من يقين ؟ وأنى لمن يتبع الشهوات كالأنعام من يقين ؟ وأنى لمقلد أن يأتيه يقين ؟ وأنى لمن استولت عليهم الشبهات في الخلق والمعاد أن يأتيهم يقين .. وهذا هو حالهم أيضا لايخفى على لبيب .
ثم إنني أختلف أيضا مع حضرتك في كون المقلد هو المهيأ للدعوة فقط دون من اختار عقيدة أو مذهب عن تفكير واقتناع .. لأن العكس هو الصحيح .. فالذي يفكر ويبحث وتشغله قضية الحق والباطل والإيمان والكفر هو أكثر تأثرا بالأدلة وأكثر تنقلا بين الأديان والمذاهب لأنه يستعمل عقله ويجتهد دون افترضات مسبقة .. على عكس المقلد الذي يفتقد لملكة التفكير والتدبر ويقدس المقلد له .

نسأل الله السلامة 
علي المتقي
لأستاذ المحنرم محمد شعبان الموجي : سعيد أنا بالحوار معكم هذا الحوار الثنائي الجميل الذي نسعى من خلاله إلى التفقه في الحوار وأخلاقياته ، وما يجب أن يكون موضوعا للحوار ومتى يستحسن الصمت .

مبدئيا لا أخالفك الراي في ما قلته عن ديننا الحنيف ما دمنا نتحدث معا من داخل الدائرة الواحدة ، ولو لم يكن لي الرأي نفسه ما اخترت الإسلام دينا الذي أعتقد أنه الدين الذي اختاره لنا الله عز وجل . و إن كان من اختلاف ففي الجزئيات و آليات الحوار وطرقه . وهذه بعض التفاصيل :

اولا لم نتفق بعد على مفهوم العقيدة : ما أسميه عقيدة هو ذلك الإيمان الذي يطابق ويرادف الحقيقة المطلقة واليقين المطلق . و حينما أصفه بالمطلق، فيعني أنه لا يتطرق إليه الشك ولا التردد ولا يحتاج حتى إلى دليل لأثبات صحته ، فهو المطلق . هذه العقيدة هي التي لا يمكن أن تتغير ولا أن تتبدل مهما كان الحوار . و إذا كنت أحاور و كنت مستعدا لأن أتغير وأتبدل ، فهذا يعني أنني لم أصل بعد إلى مستوى المطلق في عقيدتي . وبما أنني أعتقد أنني أومن إيمانا راسخا بعقيدتي التي أحمد الله عليها ، فأنا لن أجعلها موضوعا للحوار إلا مع من هو داخل الدائرة التي أو جد داخلها . إذا فهمت العقيدة بهذا التصور الذي قلته، ستتفهم لماذا لا أدخل في حوار لن أخرج منه بطائل .
يضاف إلى ذلك أن طريقة الحوار التي سرعان ما تخرج عن الحوار الهادئ إلى ما لا أود سماعه ولا أرغب في سماعه من استهزاء وسخرية . و حتى إذا سمعته أكون كمن لم يسمع ولم يقل . عملا بقول الله عز وجل في سورة النساء :
وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي ٱلْكِتَٰبِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ ٱللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ جَامِعُ ٱلْمُنَٰفِقِينَ وَٱلْكَٰفِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً .

أتفق معكم أن القرآن كتاب هداية وحجاج ، لكن فرق بين مخاطبة القرآن للمشركين ، ومخاطبتنا نحن للمشركين بالقرآن . فالقرآن خاطبهم بلغة عصرهم وفي مواضيع عصرهم وناقشهم وحاججهم في ما يقولون وما يفعلون بالعقل و المنطق والترهيب و الترغيب . وهذا ما يجب فعله اليوم أي نكشف التناقض في أفعالهم وسلوكاتهم ونحاججهم في أفعالنا وأفعالهم .لا أن نأتي يآيات بينات ونقول لهم هذا ما يقوله كتابنا وكفي . فهذا لن يقنعهم في شيء . وواقع الحال يثبت أن ما نطالب به نحن اليوم ـ ونحن في موقف ضعف ـ هو أن يعامل ديننا كباقي الديانات ونمحو عنه ما يوصف به من أوصاف هو براء منها . احترامي وتقديري
محمد شعبان الموجي
اقتباس:
الأستاذ المحنرم محمد شعبان الموجي : سعيد أنا بالحوار معكم هذا الحوار الثنائي الجميل الذي نسعى من خلاله إلى التفقه في الحوار وأخلاقياته ، وما يجب أن يكون موضوعا للحوار ومتى يستحسن الصمت .
وأنا والله أكثر سعادة بهذا المستوى الأخلاقي والفكري لحضرتك .. وأتمنى من الجميع أ، يقتدي بسلوكيات هذا الحوار الثنائي على هامش الموضوع الرئيسي 
اقتباس:
مبدئيا لا أخالفك الراي في ما قلته عن ديننا الحنيف ما دمنا نتحدث معا من داخل الدائرة الواحدة ، ولو لم يكن لي الرأي نفسه ما اخترت الإسلام دينا الذي أعتقد أنه الدين الذي اختاره لنا الله عز وجل . و إن كان من اختلاف ففي الجزئيات و آليات الحوار وطرقه . وهذه بعض التفاصيل :
اولا لم نتفق بعد على مفهوم العقيدة : ما أسميه عقيدة هو ذلك الإيمان الذي يطابق ويرادف الحقيقة المطلقة واليقين المطلق . و حينما أصفه بالمطلق، فيعني أنه لا يتطرق إليه الشك ولا التردد ولا يحتاج حتى إلى دليل لأثبات صحته ، فهو المطلق . هذه العقيدة هي التي لا يمكن أن تتغير ولا أن تتبدل مهما كان الحوار . و إذا كنت أحاور و كنت مستعدا لأن أتغير وأتبدل ، فهذا يعني أنني لم أصل بعد إلى مستوى المطلق في عقيدتي . وبما أنني أعتقد أنني أومن إيمانا راسخا بعقيدتي التي أحمد الله عليها ، فأنا لن أجعلها موضوعا للحوار إلا مع من هو داخل الدائرة التي أو جد داخلها . إذا فهمت العقيدة بهذا التصور الذي قلته، ستتفهم لماذا لا أدخل في حوار لن أخرج منه بطائل .

أستاذي الجليل د.علي المتقي 
لايوجد على وجه الأرض عقيدة تبلغ هذا المطلق الذي تتحدث عنه إلا عقيدة الأنبياء والرسل الذين عاينوا الوحي والتلقي عن الله واجرى الله على أيديهم بعض المعجزات المادية .. هذا هو حق اليقين أو علم اليقين الذي لايتزعزع أبدا .. وهذا لا يحدث إلا بالمعاينة .. بخلاف " الاعتقادات اليقينة " التي تحدث بالنظر والعبادة .. ولايمكن أن يتساوى العلم الذي يحدث بالنظر وتصديق الخبر أومايحدث بالعبادة .. مع العلم الذي يحدث بالمعانية في إفادة اليقين .. وعقائدنا جميعا غي الدنيا تقوم على النظر والعبادة .. بما فيها الإسلام نفسه .. 

ولذلك فتغيير الاعتقادات مسألة صعبة ولكنها ليست مستحيلة .. بل حدثت وتحدث وستحدث كثيرا جدا على مدار التاريخ البشري كله كما أسلفنا القول .. وذلك بأن يطرأ عليها ما يزعزها في نفس المؤمن بها .. لأنها في النهاية تحصل بالنظر فيما هو مطروح ومتاح أمام المؤمن بها من دلائل وآيات وبراهين .. ولأتها أيضا قد تحصل بالاجتهاد في العبادة لكنها لاتصل إلى مرتبة علم اليقين أو عين اليقين .. ولذلك لاتتساوى عقائد المؤمنين في قوتها وضعفها .. بل هناك المؤمن القوي الذي هو مثل شجرة الصنوبر التي لاتهزها الرياح القوية ، وهناك المؤمن الضعيف الذي هو مثل شجرة الجميز التي تخلعها الرياح بسهولة .. وكلاهما يصدق عليه وصف الشجرة أو وصف المؤمن ..( والمثال هنا للغزالي رحمه الله ) فالعقيدة أو الإيمان يزيد بالطاعة ودحض الشبهات .. بينما ينقص باستيلاء الشهوات والشبهات على النفس .. حتى كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ من الفتن .. ويستعيذ من سوء الخاتمة والتي تتمثل بأمرين الشهوات والشبهات .. والذين يقتلعان العقيدة والإيمان حتى يموت الإنسان على الكفر والعياذ بالله بعد أن قضى حياته مؤمنا .

ومادام الإيمان يزيد وينقص .. ومادام هناك مؤمن قوي ومؤمن ضعيف .. فإن العقائد تتعرض كما قلنا لهزات عنيفة تتزلزل فيها النفس وقد تؤدي بها إلى تغييرها بالكلية واختيار غيرها رغم أنها كانت تمثل بالنسبة للمؤمن بها في وقت ما عقيدة راسخة .
علي المتقي
الفاضل محمد شعبان الموجي : السلام عليكم ، وبعد: أعلم علم اليقين أن الإيمان درجات ، وكل الديانات تحث على الإيمان القوي ،وتقبل بالإيمان الضعيف مادام لم يتزعزع . وقد لجأت كل الديانات إلى الاختبار والامتحان لتميز من يثبت على دينه ومن يرتد.ووعدت المرتدين بعقاب شديد . وهذا إن دل على شيء إنما يدل على طموح كل الديانات إلى المطلق ورفض الشك . وسعيا مني إلى هذا الإيمان في إطلاقيته ، أتحاور مع من ينتمي إلى عقيدتي و أقرب فهمها لمن يرغب في التعرف عليها. وبقدر ما أسعى إلى الحفاظ على قدسية عقيدتي أحترم عقائد الآخرين ، فلا أسخر منها حتى ولو بدت لي ساذجة ،وأسعى إلى فهمها من أجل المعرفة الخالصة . تحاتي الخالصة .
أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214) 


إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا 
هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالا شَدِيدًا 


وهكذا يثبت الواقع البشري على مدار تاريخه كله كيف انتقل الناس من عقيدة إلى أخرى .. بعد اكتشفوا بطلان ماكانوا عليه من اعتقادات يقينية ( اليقين هنا افتراضي وليس حقيقي ) هزتها عقيدة أقوى .. أو زلزلتها واقتلعت جذورها شبهات قوية وفتن وابتلاءات .. ولذلك حرص الإسلام دائما على حماية وحراسة عقائد العامة من الشبهات التي لايملكون بحكم عدم تخصصهم أو عدم قدرتهم على النظر فيها والرد عليها .
اقتباس:
يضاف إلى ذلك أن طريقة الحوار التي سرعان ما تخرج عن الحوار الهادئ إلى ما لا أود سماعه ولا أرغب في سماعه من استهزاء وسخرية . و حتى إذا سمعته أكون كمن لم يسمع ولم يقل . عملا بقول الله عز وجل في سورة النساء :
وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي ٱلْكِتَٰبِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ ٱللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ جَامِعُ ٱلْمُنَٰفِقِينَ وَٱلْكَٰفِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً .

أستاذنا القدير 
هناك فرق طبعا بين الحوارات الموضوعية التي يعرض فيها كل طرف أدلته بشكل علمي .. وبين المسبات والطعن في الأديان والعقائد .. ولذلك أمرنا القرآن الكريم بجدال أهل الكتاب وجدال العقلاء ومناقشتهم ودعوتهم بالحكمة والموعظة الحسنة .. في الوقت الذي أمرنا فيه بالإعراض عن الجاهلين أو المعتدين أو الطاعنين وشتان بين هؤلاء وأولئك .
اقتباس:

أتفق معكم أن القرآن كتاب هداية وحجاج ، لكن فرق بين مخاطبة القرآن للمشركين ، ومخاطبتنا نحن للمشركين بالقرآن . فالقرآن خاطبهم بلغة عصرهم وفي مواضيع عصرهم وناقشهم وحاججهم في ما يقولون وما يفعلون بالعقل و المنطق والترهيب و الترغيب . وهذا ما يجب فعله اليوم أي نكشف التناقض في أفعالهم وسلوكاتهم ونحاججهم في أفعالنا وأفعالهم .لا أن نأتي يآيات بينات ونقول لهم هذا ما يقوله كتابنا وكفي . فهذا لن يقنعهم في شيء . وواقع الحال يثبت أن ما نطالب به نحن اليوم ـ ونحن في موقف ضعف ـ هو أن يعامل ديننا كباقي الديانات ونمحو عنه ما يوصف به من أوصاف هو براء منها . احترامي وتقديري
وأنا أيضا أتفق مع حضرتك في أن القرآن الكريم قد علمنا كيف نجتهد في اثبات صدق الإيمان بالله .. وأودع لنــا الأسس التي نجتهد تحتها .. فما من دليل قديم أو جديد إلا يمكن ارجاعه إلى أصل قرآني .. فلاخلاف بيننا إن شاء الله 

تقبل تحياتي 

هناك تعليقان (2):

  1. كلمات تنمُّ عن دراية وحنكة وممارسة طويله لفن الكلام والمنطق
    أعجبنى جميع ما قلت
    بارك الله بك استاذنا
    د. عمرو الساهرى

    ردحذف
  2. سعيد أنا برأيك في ما كتبت .إن هو إلا مجرد دردشة مع رجل أحترمه ، و أقدر سعة صدره. محمد شعبان الموجي . احترامي وتقديري د عمرو

    ردحذف