الأحد، 23 نوفمبر 2025

من عيون شعر الرثاء في الثقافة العربية : رثاء الشريف الرضي لأمه .

 

أَبكيكِ لو نَقعَ الغليلَ بكائــــي            وَأقُولُ لَوْ ذَهَبَ المَقالُ بِدائـــي

وَأعُوذُ بالصّبْرِ الجَميلِ تَعَزّياً            لَوْ كَانَ بالصّبْرِ الجَميلِ عَزائي

طوراً تُكاثرني الدموعُ وتارةً            آوي الى أُكرومَتـــي وحيائــي

كم عَبْرةٍ مَوَّهتُها بأناملــــــي           وسترتُها متجمِّــــلاً بردائـــــي

أُبدِي التجلدَ للعدوِّ ولـــو درَى          بتَمَلْمُلي لَقَدِ اشتَفَـــى أعدائـــي

ما كنتُ أذخرُ في فِداكِ رغيبةً           لو كـان يَرجِعُ ميــــتٌ بفِــــداءِ

لو كان يُدفعُ ذا الحِمامُ بِقوةٍ             لتَكدستْ عُصــبٌ وراءَ لِوائــي

فَارَقْتُ فِيكِ تَماسُكي وَتَجَمُّلي            ونسيتُ فيكِ تَعـــزُّزي وإبائــي

وَصَنَعْتُ مَا ثَلَمَ الوَقَارَ صَنيعُهُ           مِمَّا عَرانِي من جَوَى البُرحَـاءِ

كم زَفرةٍ ضَعُفتْ فصارتْ أنـََّةً           تَمّمْتُــهَا بِتَنَفّـــــسِ الصُّعَــــداءِ

لَهفَانَ أنْزُو في حَبَائِلِ كُرْبَـــة           مَلَكَتْ عَليّ جَلادَتـــــي وَغَنَائـي

وجرى الزمان على عوائد كيدِه        في قلب آمالي وعكسِ رجائــي

قَدْ كُنتُ آمُلُ أنْ أكونَ لكِ الفِدا           مِمّا ألَمّ فكُنتِ أنْـتِ فِدائـــي

وَتَفَرُّقُ البُعَداءِ بَعْدَ مَــــــــوَدَّة           صعبٌ فكيفَ تفــــرقُ القربـــاءِ

وَخَلائِقُ الدّنْيَا خَلائِقُ مُومِسٍ            للمنــــعِ  آونـــــةً  و  لِلأعطاءِ

طوراً تبادلكَ الصفاءَ وتارةً              تَلْقَاكَ تُنكِــرُهَا مِنَ البَغضَــاءِ

وَتَداوُلُ الأيّامِ يُبْلِينَا كَمَا يُبلي             الرّشَاءَ تَطـــاوُحُ الأرْجَــــاءِ

وَكَأنّ طُولَ العُمْرِ روحَةُ رَاكِبٍ         قضَى اللغوبَ وجدَّ في الإسراءِ

أنْضَيتِ عَيشَكِ عِفّة وَزَهَـــــادَة          وَطُرِحْتِ مُثْقَلَة مِنَ الأعْبَـــــاءِ

بصِيَامِ يَوْمِ القَيظِ تَلْهَبُ شَمْسُهُ           وقيـامِ طولِ الليلــــةِ الليــــلاءِ

ما كان يوما بالغَبينِ من اشترى         رغَـدَ الجنانِ بعيشـــةٍ خشناءِ

لَوْ كَانَ مِثلَكِ كُـــــلُّ أُمٍّ بَـــــــــرّة          غنِيَ البنـونَ بها عن الآبـاءِ

كيف السُّلوُّ وكل موقعِ لحظــــــةٍ         أثرٌ لفضلـِك خالــــدٌ بإزائـــي

فَعَلاتُ مَعرُوفٍ تُقِـــرّ نَوَاظِـــــرِي         فَتَكُونُ أجْلَبَ جالِبٍ لبُكائــي

مَا مَاتَ مَنْ نَزَعَ البَقَاءَ، وَذِكْــــرُهُ         بالصّالحاتِ يُعَـدّ في الأحْيَاءِ

فبأي كـــــفٍّ أستجـُـــــــنُّ وأتقــي         صَرْفَ النّوَائِبِ أمْ بِأيّ دُعَاءِ

ومَنِ المُمولُ لِي اذا ضاقت يدي           ومن المُعللُ لي مـن الأدواءِ

ومن الذي إنْ ساورتْني نكبـــةٌ            كَانَ المُوَقّي لي مِنَ الأسْوَاءِ

أمْ مَنْ يَلِــــــطّ عَليّ سِتْرَ دُعَائِهِ           حَرَماً مِـنَ البَأسَاءِ وَالضـرّاءِ

رُزءانِ يَزْدادانِ طُـــــولَ تَجَـــدّدٍ          أبَدَ الزّمَانِ: فَنـاؤها وَبَقائــي

شهد الخلائقُ أنَّها لَنَجيبــــــــةٌ           بدَليلِ مَــنْ وَلدَتْ مِنَ النُّجَبَاءِ

في كــــل مُظلمِ أزمـةٍ أو ضيقة ٍ          يَبْدُو لهَا أثـرُ اليَــــدِ البَيْضَاءِ

ذَخَرَتْ لَنا الذّكرَ الجَميلَ إذا انقضَى        ما يَذَّخـرُ الآبــاءُ للأبنـــــاءِ

قَدْ كُنْتُ آمُلُ أنْ يَكُونَ أمامَــها         يومِي وتشفقُ أن تكونَ ورائي

آوي إلـى بردِ الظِــلال كأننــــي            لِتَحَرُّقـي آوِي إلى الرّمضَـاءِ

وأَهُبُّ مــــن طيبِ المنام تفـزعاً            فَزَعَ اللديغِ نبَا عـن الاغفاءِ

يا قبـــرُ أَمنحُه الهَـــــوى وأَودًُّ         لوْ نزفتْ عليه دموعُ كل سماءِ

ما زَالَ مُرْتَجِزُ الرّعُودِ مُجَلْجِــــلٌ      هَزِجُ البَوَارِقِ مُجلِبُ الضّوْضَاءِ

يَرْغُو رُغاء العودِ جعْجعَه السُّرى      وَيَنُوءُ نَوْءَ المُقـرِبِ العُشـرَاءِ

يقتادُ مُثقلَــــــة الغمـــــامِ كأنــــمَّا       ينهضْـنَ  بالعَقـَـداتِ والأَنقــاءِ

يهفو بها جُنحُ الدَّجى ويسوقـُــها       سوقَ البِطَـاءِ بِعاصِفٍ هَوْجَاءِ

يرميـــــك بارقُها بأفـــــــلاذٍ الحَيا       وَيَفُضّ فِيـكَ لَطائــمَ الأنْــــداءِ

متحَلياً عذراءَ كلِّ سحابـــــــــــةٍ         تَغْــذُو الجَمِيمَ برَوْضَة عَـذْرَاءِ

لَلَؤُمتُ ان لم أسْقِها بمدامعـــــي         وَوَكلْتُ سُقْيَـاهَا إلى الأنْــــوَاءِ

لهفي على القوم الأُلى غادرتُهم          وعليـهِمْ طبــقٌ من البيــــداءِ

مُتَوَسّدِينَ عَلى الخُدُودِ كَأنّـــــمَا          كرَعُوا على ظمأٍ من الصهباءِ

صورٌ ضننْتُ على العيون بلحظها       أمْسَيْتُ أُوقِرُها مِـنَ البَوْغَاءِ

وَنَوَاظِرٌ كَحَلَ التُّـــرَابُ جُفُونَــــها        قد كنـــتُ أحرسُـها من الأقذاءِ

قَرُبَتْ ضَرائــــــحُهم على زوارِها       ونأوا عن الطُّـلابِ أيِّ تَنـــائي

ولَبئس ما تلقى بعُقـــرِ ديـــارِهم       أُذْنُ المُصِيخِ بِهَا وَعَينُ الرّائي

معروفكِ السامي انيســـكِ كلــمَا        وَرَدَ الظّلامُ بوَحشَـة الغَبْـــرَاءِ

وضياءُ ما قدمتِه من صالــــــحٍ        لكِ في الدجى بدلا من الأضواءِ

إنّ الذي أرْضَاهُ فِعلُـــــكِ لا يَــزَلْ       تُرْضِيكِ رَحْمَتُهُ صَبَاحَ مَسَـاءِ

صَلّى عَلَيكِ، وَما فَقَدْتِ صَلاتَــــــهُ      قَبلَ الرّدَى وَجَزاكِ أيّ جَـزَاءِ

لَوْ كَانَ يُبلِغُكِ الصّفيحُ رَسَائِلــــــي      أو كان يُسمعكِ الترابُ ندائي

لَسَمِعتِ طُولَ تَأوّهي وَتَفَجّعـــــــي      وعلمتِ حسنَ رعايتي ووفائي

كَانَ ارْتِكاضِي في حَشاكِ مُسَبِّبـــاً      رَكضَ الغَليلِ عَلَيكِ في أحشائي

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق